قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون
قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة أي جماعة فاثبتوا أمر بالثبات عند قتال الكفار ، كما في الآية قبلها النهي عن الفرار عنهم ، فالتقى الأمر والنهي على سواء . وهذا تأكيد على الوقوف للعدو والتجلد له .
قوله تعالى واذكروا الله كثيرا لعلكم للعلماء في هذا الذكر ثلاثة أقوال :
الأول : اذكروا الله عند جزع قلوبكم ، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد .
الثاني : اثبتوا بقلوبكم ، واذكروه بألسنتكم ، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان ، فأمر بالذكر حتى يثبت القلب على اليقين ، ويثبت اللسان على الذكر ، ويقول ما قاله أصحاب طالوت : ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين . وهذه الحالة لا تكون إلا عن قوة المعرفة ، واتقاد البصيرة ، وهي الشجاعة المحمودة في الناس .
الثالث : اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم .
قلت : والأظهر أنه ذكر اللسان الموافق للجنان . قال محمد بن كعب القرظي : لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا ، يقول الله عز وجل : ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا . ولرخص للرجل يكون في الحرب ، يقول الله عز وجل : إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا . وقال قتادة : افترض الله جل وعز ذكره على عباده ، أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف . وحكم هذا الذكر أن يكون خفيا ، لأن رفع الصوت في مواطن القتال رديء مكروه إذا كان الذاكر واحدا . فأما إذا كان من الجميع عند الحملة فحسن ، لأنه يفت في أعضاد العدو . وروى أبو داود عن قيس بن عباد قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال . وروى أبو بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . قال ابن عباس : يكره التلثم عند القتال . قال ابن عطية : وبهذا والله أعلم استن المرابطون بطرحه عند القتال على صيانتهم به .