وقد خاب من دساها أي خسرت نفس دسها الله - عز وجل - بالمعصية . وقال ابن عباس : خابت نفس أضلها وأغواها . وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، وصالح الأعمال ، وخاب من دس نفسه في المعاصي قاله قتادة وغيره . وأصل الزكاة : النمو والزيادة ، ومنه زكا الزرع : إذا كثر ريعه ، ومنه تزكية القاضي للشاهد ; لأنه يرفعه بالتعديل ، وذكر الجميل . وقد تقدم هذا المعنى في أول سورة ( البقرة ) مستوفى . فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمال البر ، شهر نفسه ورفعها . وكانت أجواد العرب تنزل الربا وارتفاع الأرض ، ليشتهر مكانها للمعتفين ، وتوقد النار في الليل للطارقين . وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام ، ليخفى مكانها عن الطالبين . فأولئك علوا أنفسهم وزكوها ، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها . وكذا الفاجر أبدا خفي المكان ، زمر المروءة غامض الشخص ، ناكس الرأس بركوب المعاصي . وقيل : دساها : أغواها . قال :
وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعا
قال أهل اللغة : والأصل : دسسها ، من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت سينه ياء كما يقال : قصيت أظفاري وأصله قصصت أظفاري . ومثله قولهم في تقضض : تقضى . وقال ابن الأعرابي : وقد خاب من دساها أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم .