تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  يونس الأية 2


سورة Sura   يونس   Yunus
يونس Yunus
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
الصفحة Page 208
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (2)

قوله تعالى أكان للناس عجبا استفهام معناه التقرير والتوبيخ . و ( عجبا ) خبر كان ، واسمها ( أن أوحينا ) وهو في موضع رفع ; أي كان إيحاؤنا عجبا للناس . وفي قراءة عبد الله " عجب " على أنه اسم كان . والخبر ( أن أوحينا ) .

إلى رجل منهم قرئ " رجل " بإسكان الجيم . وسبب النزول فيما روي عن ابن عباس أن الكفار قالوا لما بعث محمد : إن الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا . وقالوا : ما وجد الله من يرسله إلا يتيم أبي طالب ; فنزلت : أكان للناس يعني أهل مكة ( عجبا ) . وقيل : إنما تعجبوا من ذكر البعث .

قوله تعالى ( أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا ) في موضع نصب بإسقاط الخافض ; أي بأن أنذر الناس ، وكذا أن لهم قدم صدق وقد تقدم معنى النذارة والبشارة وغير ذلك من ألفاظ الآية .

واختلف في معنى قدم صدق فقال ابن عباس : قدم صدق منزل صدق ; دليله قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق . وعنه أيضا أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم . وعنه أيضا قدم صدق سبق السعادة في الذكر الأول ، وقاله مجاهد . الزجاج : درجة عالية . قال ذو الرمة :

لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العالي طمت على البحر

قتادة : سلف صدق . الربيع : ثواب صدق . عطاء : مقام صدق . يمان : إيمان صدق . وقيل : دعوة الملائكة . وقيل : ولد صالح قدموه . الماوردي : أن يوافق صدق الطاعة الجزاء . وقال الحسن وقتادة أيضا : هو محمد صلى الله عليه وسلم ; فإنه شفيع مطاع يتقدمهم ; كما قال : أنا فرطكم على الحوض . وقد سئل صلى الله عليه وسلم فقال : هي شفاعتي توسلون بي إلى ربكم . وقال الترمذي الحكيم : قدمه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود . وعن الحسن أيضا : مصيبتهم في النبي صلى الله عليه وسلم . وقال عبد العزيز بن يحيى : ( قدم صدق ) قوله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون وقال مقاتل : أعمالا قدموها ; واختاره الطبري . قال الوضاح :

صل لذي العرش واتخذ قدما تنجيك يوم العثار والزلل

وقيل : هو تقديم الله هذه الأمة في الحشر من القبر وفي إدخال الجنة . كما قال : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق . وحقيقته أنه كناية عن السعي في العمل الصالح ; فكنى عنه بالقدم كما يكنى عن الإنعام باليد وعن الثناء باللسان . وأنشد حسان :

لنا القدم العليا إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع

يريد السابقة بإخلاص الطاعة ، والله أعلم . وقال أبو عبيدة والكسائي : كل سابق من خير أو شر فهو عند العرب قدم ; يقال : لفلان قدم في الإسلام ، له عندي قدم صدق وقدم شر وقدم خير . وهو مؤنث وقد يذكر ; يقال : قدم حسن وقدم صالحة . وقال ابن الأعرابي : القدم التقدم في الشرف ; قال العجاج :

زل بنو العوام عن آل الحكم وتركوا الملك لملك ذي قدم

وفي الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لي خمسة أسماء . أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب يريد آخر الأنبياء ; كما قال تعالى : وخاتم النبيين .

قوله تعالى قال الكافرون إن هذا لساحر مبين قرأ ابن محيصن وابن كثير والكوفيون عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش ( لساحر ) نعتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقرأ الباقون " لسحر " نعتا للقرآن وقد تقدم معنى السحر في " البقرة " .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022