قوله : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد
قوله تعالى : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اختلف النحويون في رفع " مثل " فقال سيبويه : ارتفع بالابتداء والخبر مضمر ; التقدير : وفيما يتلى عليكم أو يقص مثل الذين كفروا بربهم ثم ابتدأ فقال : أعمالهم كرماد أي كمثل رماد اشتدت به الريح . وقال الزجاج : أي مثل الذين كفروا فيما يتلى عليكم أعمالهم كرماد ، وهو عند الفراء على إلغاء المثل ، التقدير : الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد . وعنه أيضا أنه على حذف مضاف ; التقدير : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد ; وذكر الأول عنه المهدوي ، والثاني القشيري والثعلبي ويجوز أن يكون مبتدأ كما يقال : صفة فلان أسمر ; ف " مثل " بمعنى صفة . ويجوز في الكلام جر أعمالهم على بدل الاشتمال من " الذين " واتصل هذا بقوله : وخاب كل جبار عنيد والمعنى : أعمالهم محبطة غير مقبولة . والرماد ما بقي بعد احتراق الشيء ; فضرب الله هذه الآية مثلا لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف . والعصف شدة الريح ; وإنما كان ذلك لأنهم أشركوا فيها غير الله تعالى . وفي وصف اليوم بالعصوف ثلاثة أقاويل : أحدها : أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم قد يوصف به ; لأن الريح تكون فيه ، فجاز أن يقال : يوم عاصف ، كما يقال : يوم حار ويوم بارد ، والبرد والحر فيهما . والثاني : أن يريد في يوم عاصف الريح ; لأنها ذكرت في أول الكلمة ، كما قال الشاعر :
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف
يريد كاسف الشمس فحذف ; لأنه قد مر ذكره ; ذكرهما الهروي . والثالث : أنه من نعت الريح ; غير أنه لما جاء بعد اليوم أتبع إعرابه كما قيل : جحر ضب خرب ; ذكره الثعلبي والماوردي . وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بكر في يوم عاصف .
لا يقدرون يعني الكفار . مما كسبوا على شيء يريد في الآخرة ; أي من ثواب ما عملوا من البر في الدنيا ، لإحباطه بالكفر .
ذلك هو الضلال البعيد أي الخسران الكبير ; وإنما جعله كبيرا بعيدا لفوات استدراكه بالموت .