قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أي ليس المؤمن كالفاسق ; فلهذا آتينا هؤلاء المؤمنين الثواب العظيم . قال ابن عباس وعطاء بن يسار : نزلت الآية في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ; وذلك أنهما تلاحيا ، فقال له الوليد : أنا أبسط منك لسانا وأحد سنانا وأرد للكتيبة - وروي : وأملأ في الكتيبة - جسدا . فقال له علي : اسكت ! فإنك فاسق ; فنزلت الآية . وذكر الزجاج والنحاس أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط . قال ابن عطية : وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية ; لأن عقبة لم يكن بالمدينة ، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر . ويعترض القول الآخر بإطلاق اسم الفسق على الوليد . وذلك يحتمل أن يكون في صدر إسلام الوليد لشيء كان في نفسه ، أو لما روي من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن ، حتى نزلت فيه : إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا على ما يأتي في الحجرات بيانه . ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه ; لأنه كان على طرف مما يبغي . وهو الذي شرب الخمر في زمن عثمان رضي الله عنه ، وصلى الصبح بالناس ثم التفت وقال : أتريدون أن أزيدكم ، ونحو هذا مما يطول ذكره .
الثانية : لما قسم الله تعالى المؤمنين والفاسقين الذين فسقهم بالكفر - لأن التكذيب في آخر الآية يقتضي ذلك - اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر ; ولهذا منع القصاص بينهما ; إذ من شرط وجوب القصاص المساواة بين القاتل والمقتول . وبذلك احتج علماؤنا على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمي . وقال : أراد نفي المساواة هاهنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة . ونحن حملناه على عمومه ، وهو أصح ، إذ لا دليل يخصه ; قاله ابن العربي .
الثالثة : قوله تعالى : ( لا يستوون ) ، قال الزجاج وغيره : ( من ) يصلح للواحد والجمع . النحاس : لفظ ( من ) يؤدي عن الجماعة ; فلهذا قال : لا يستوون ; هذا قول كثير من النحويين . وقال بعضهم : لا يستوون لاثنين ; لأن الاثنين جمع ; لأنه واحد جمع مع آخر . وقاله الزجاج أيضا . والحديث يدل على هذا القول ; لأنه عن ابن عباس وغيره قال : نزلت أفمن كان مؤمنا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كمن كان فاسقا في الوليد بن عقبة بن أبي معيط . وقال الشاعر :
أليس الموت بينهما سواء إذا ماتوا وصاروا في القبور