قوله تعالى : أم يقولون شاعر أي بل يقولون : محمد شاعر . قال سيبويه : خوطب العباد بما جرى في كلامهم . قال أبو جعفر النحاس : وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبين ولا مشروح ; يريد سيبويه أن " أم " في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث ; كما قال [ الأعشى ] :
أتهجر غانية أم تلم
فتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال :
أم الحبل واه بها منجذم
فما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث ، والنحويون يمثلونها ب " بل " .
نتربص به ريب المنون قال قتادة : قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان . قال الضحاك : هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر ; أي يهلك عن قريب كما هلك من قبل من الشعراء ، وأن أباه مات شابا فربما يموت كما مات أبوه . وقال الأخفش : نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر ، كما تقول : قصدت زيدا وقصدت إلى زيد . والمنون : الموت في قول ابن عباس .
قال أبو الغول الطهوي :
هم منعوا حمى الوقبى بضرب يؤلف بين أشتات المنون
أي : المنايا ; يقول : إن الضرب يجمع بين قوم متفرقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم لأتتهم متفرقة ، فاجتمعوا في موضع واحد فأتتهم المنايا مجتمعة . وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكانا واحدا في الطور ريب المنون يعني حوادث الأمور ; وقال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلها
وقال مجاهد : ريب المنون حوادث الدهر ، والمنون هو الدهر ; قال أبو ذؤيب :
أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
وقال الأعشى :
أأن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبل
قال الأصمعي : المنون الليل والنهار ; وسميا بذلك لأنهما ينقصان الأعمار ويقطعان الآجال . وعنه : أنه قيل للدهر منون ، لأنه يذهب بمنة الحيوان أي قوته وكذلك المنية . أبو عبيدة : قيل للدهر منون ; لأنه مضعف ، من قولهم حبل منين أي ضعيف ، والمنين الغبار الضعيف . قال الفراء : والمنون مؤنثة وتكون واحدا وجمعا . الأصمعي : المنون واحد لا جماعة له . الأخفش : هو جماعة لا واحد له ، والمنون يذكر ويؤنث ; فمن ذكره جعله الدهر أو الموت ، ومن أنثه فعلى الحمل على المعنى كأنه أراد المنية .