قوله تعالى : وأنه هو أضحك وأبكى ذهبت الوسائط وبقيت الحقائق لله سبحانه وتعالى فلا فاعل إلا هو ; وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : لا والله ما قال رسول الله قط : إن الميت يعذب ببكاء أحد ، ولكنه قال : إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى وما تزر وازرة وزر أخرى . وعنها قالت : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من أصحابه وهم يضحكون ، فقال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فنزل عليه جبريل فقال : يا محمد ! إن الله يقول لك : وأنه هو أضحك وأبكى . فرجع إليهم فقال : ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال : ايت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول : هو أضحك وأبكى أي قضى أسباب الضحك والبكاء . وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني أفرح وأحزن ; لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء . وقيل لعمر : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم ! والإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي . وقد تقدم هذا المعنى في ( النمل ) و ( التوبة ) . قال الحسن : أضحك الله أهل الجنة في الجنة ، وأبكى أهل النار في النار . وقيل : أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه . الضحاك : أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر . وقيل : أضحك الأشجار بالنوار ، وأبكى السحاب بالأمطار . وقال ذو النون : أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته ، وأبكى قلوب الكافرين والعاصين بظلمة نكرته ومعصيته . وقال سهل بن عبد الله : أضحك الله المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط . وقال محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا . وقال بسام بن عبد الله : أضحك الله أسنانهم وأبكى قلوبهم . وأنشد :
السن تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكها زور ومختلق يا رب باك بعين لا دموع لها
ورب ضاحك سن ما به رمق
وقيل : إن الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان ، وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان . وقد قيل : إن القرد وحده يضحك ولا يبكي ، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك . وقال يوسف بن الحسين : سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة ؟ فقال : ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم .