قوله تعالى : إنا هديناه السبيل أي بينا له وعرفناه طريق الهدى والضلال ، والخير والشر ببعث الرسل ، فآمن أو كفر ; كقوله تعالى : وهديناه النجدين . وقال مجاهد : أي بينا له السبيل إلى الشقاء والسعادة . وقال الضحاك وأبو صالح والسدي : السبيل هنا خروجه من الرحم . وقيل : منافعه ومضاره التي يهتدي إليها بطبعه وكمال عقله .
إما شاكرا وإما كفورا أي أيهما فعل فقد بينا له . قال الكوفيون : إن هاهنا تكون جزاء و ( ما ) زائدة أي بينا له الطريق إن شكر أو كفر . واختاره الفراء ولم يجزه البصريون ; إذ لا تدخل إن للجزاء على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل . وقيل : أي هديناه الرشد ، أي بينا له سبيل التوحيد بنصب الأدلة عليه ; ثم إن خلقنا له الهداية اهتدى وآمن ، وإن خذلناه كفر . وهو كما تقول : قد نصحت لك ، إن شئت فاقبل ، وإن شئت فاترك ; أي فإن شئت ، فتحذف الفاء . وكذا إما شاكرا والله أعلم .
ويقال : هديته السبيل وللسبيل وإلى السبيل . وقد تقدم في ( الفاتحة ) وغيرها . وجمع بين الشاكر والكفور ، ولم يجمع بين الشكور والكفور مع اجتماعهما في معنى المبالغة ; نفيا للمبالغة في الشكر وإثباتا لها في الكفر ; لأن شكر الله تعالى لا يؤدى ، فانتفت عنه المبالغة ، ولم تنتف عن الكفر المبالغة ، فقل شكره ، لكثرة النعم عليه وكثرة كفره وإن قل مع الإحسان إليه . حكاه الماوردي .