قوله تعالى : وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون أي لا يصلون . وفي الصحيح : أن أبا هريرة قرأ إذا السماء انشقت فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها . وقد قال مالك : إنها ليست من عزائم السجود ; لأن المعنى لا يذعنون ولا يطيعون في العمل بواجباته .
ابن العربي : والصحيح أنها منه ، وهي رواية المدنيين عنه ، وقد اعتضد فيها القرآن والسنة . قال ابن العربي : لما أممت بالناس تركت قراءتها ; لأني إن سجدت أنكروه ، وإن تركتها كان تقصيرا مني ، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي . وهذا تحقيق وعد الصادق بأن يكون المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ; وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة : لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت البيت ، ولرددته على قواعد إبراهيم .
ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع ، وعند الرفع منه ، وهو مذهب مالك والشافعي ويفعله الشيعة ، فحضر عندي يوما في محرس ابن الشواء بالثغر - موضع تدريسي - عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف وأنا في مؤخره قاعدا على طاقات البحر ، أتنسم الريح من شدة الحر ، ومعي في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده ، مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب تخت الميناء ، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا ؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به إلى البحر ، فلا يراكم أحد . فطار قلبي من بين جوانحي وقلت : سبحان الله هذا الطرطوشي فقيه الوقت . فقالوا لي : ولم يرفع يديه ؟ فقلت : كذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ، وهذا مذهبمالك ، في رواية أهل المدينة عنه . وجعلت أسكنهم وأسكتهم حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من المحرس ، ورأى تغير وجهي ، فأنكره ، وسألني فأعلمته ، فضحك وقال : ومن أين لي أن أقتل على سنة ؟ فقلت له : ولا يحل لك هذا ، فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك وربما ذهب دمك . فقال : دع هذا الكلام ، وخذ في غيره .