قوله تعالى : ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون الجمال ما يتجمل به ويتزين . والجمال : الحسن . وقد جمل الرجل - بالضم - جمالا فهو جميل ، والمرأة جميلة ، وجملاء أيضا ; عن الكسائي . وأنشد :
فهي جملاء كبدر طالع بزت الخلق جميعا بالجمال
وقول أبي ذؤيب :
جمالك أيها القلب القريح
يريد : الزم تجملك وحياءك ولا تجزع جزعا قبيحا . قال علماؤنا : فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخلقة ، ويكون في الأخلاق الباطنة ، ويكون في الأفعال . فأما جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائما ، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر . وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة ، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد . وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم . وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة ، وهو مرئي بالأبصار موافق للبصائر . ومن جمالها كثرتها وقول الناس إذا رأوها هذه نعم فلان ; قاله السدي . ولأنها إذا راحت توفر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها ; لأنها إذ ذاك أعظم ما تكون أسنمة وضروعا ; قاله قتادة . ولهذا المعنى قدم الرواح على السراح لتكامل درها وسرور النفس بها إذ ذاك . والله أعلم . وروى أشهب عن مالك قال : يقول الله - عز وجل - ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وذلك في المواشي حين تروح إلى المرعى وتسرح عليه . والرواح رجوعها بالعشي من المرعى ، والسراح بالغداة ; تقول : سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها ، وسرحت هي . المتعدي واللازم واحد .