تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  مريم الأية 82


سورة Sura   مريم   Maryam
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا (78) كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَٰنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا (87) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا (93) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)
الصفحة Page 311
كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)

قال الله تعالى : كلا أي ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا بل يكفرون بعبادتهم ؛ أي ينكرون أنهم عبدوا الأصنام ، أو تجحد الآلهة عبادة المشركين لها كما قال : تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وذلك أن الأصنام جمادات لا تعلم العبادة . ويكونون عليهم ضدا أي أعوانا في خصومتهم وتكذيبهم . عن مجاهد والضحاك : يكونون لهم أعداء . ابن زيد : يكونون عليهم بلاء فتحشر آلهتهم ، وتركب لهم عقول فتنطق ، وتقول : يا رب عذب هؤلاء الذين عبدونا من دونك ، وكلا هنا يحتمل أن تكون بمعنى لا ويحتمل أن تكون بمعنى حقا ؛ أي حقا سيكفرون بعبادتهم وقرأ أبو نهيك : ( كلا سيكفرون ) بالتنوين . وروي عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها . قال المهدوي كلا ردع وزجر وتنبيه ورد لكلام متقدم ، وقد تقع لتحقيق ما بعدها والتنبيه عليه كقوله : كلا إن الإنسان ليطغى فلا يوقف عليها على هذا ، ويوقف عليها في المعنى الأول ؛ فإن صلح فيها المعنيان جميعا جاز الوقف عليها والابتداء بها . فمن نون كلا من قوله : كلا سيكفرون بعبادتهم مع فتح الكاف فهو مصدر كل ، ونصبه بفعل مضمر ، والمعنى كل هذا الرأي والاعتقاد كلا ، يعني " اتخاذهم الآلهة ليكونوا لهم عزا " فيوقف على هذا على عزا وعلى ( كلا ) وكذلك في قراءة الجماعة ، لأنها تصلح للرد لما قبلها والتحقيق لما بعدها . ومن روى ضم الكاف مع التنوين فهو منصوب أيضا بفعل مضمر ، كأنه قال : سيكفرون كلا سيكفرون بعبادتهم يعني الآلهة .

قلت : فتحصل في كلا أربعة معان : التحقيق وهو أن تكون بمعنى حقا والنفي والتنبيه ، وصلة للقسم ، ولا يوقف منها إلا على الأول . وقال الكسائي : ( لا ) تنفي فحسب ، وكلا تنفي شيئا وتثبت شيئا ، فإذا قيل : أكلت تمرا ، قلت : كلا إني أكلت عسلا لا تمرا ، ففي هذه الكلمة نفي ما قبلها ، وتحقق ما بعدها . والضد يكون واحدا ويكون جمعا ، كالعدو والرسول . وقيل : وقع الضد موقع المصدر أي ويكونون عليهم عونا ، فلهذا لم يجمع ، وهذا في مقابلة قوله : ليكونوا لهم عزا والعز مصدر ، فكذلك ما وقع في مقابلته ثم قيل : الآية في عبدة الأصنام ، فأجرى الأصنام مجرى من يعقل ، جريا على توهم الكفرة . وقيل : فيمن عبد المسيح أو الملائكة أو الجن أو الشياطين ؛ فالله تعالى أعلم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022