تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الحج الأية 33


سورة Sura   الحج   Al-Hajj
حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) ۞ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
الصفحة Page 336
لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)

قوله تعالى : لكم فيها منافع يعني البدن من الركوب ، والدر ، والنسل ، والصوف ، وغير ذلك ، إذا لم يبعثها ربها هديا ، فإذا بعثها فهو الأصل المسمى ؛ قال ابن عباس . فإذا صارت بدنا هديا فالمنافع فيها أيضا ركوبها عند الحاجة ، وشرب لبنها بعد ري فصيلها .

وفي الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة فقال : اركبها فقال : إنها بدنة . فقال : ( اركبها ) قال : إنها بدنة . قال : ( اركبها ويلك ) في الثانية ، أو الثالثة ) . وروي عن جابر بن عبد الله وسئل عن ركوب الهدي فقال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا . والأجل المسمى على هذا القول نحرها ؛ قاله عطاء بن أبي رباح .

ذهب بعض العلماء إلى وجوب ركوب البدنة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : اركبها . وممن أخذ بظاهره أحمد ، وإسحاق ، وأهل الظاهر . وروى ابن نافع ، عن مالك : لا بأس بركوب البدنة ركوبا غير فادح . والمشهور أنه لا يركبها إلا إن اضطر إليها لحديث جابر فإنه مقيد ، والمقيد يقضي على المطلق . وبنحو ذلك قال الشافعي ، وأبو حنيفة . ثم إذا ركبها عند الحاجة نزل ؛ قال إسماعيل القاضي . وهو الذي يدل عليه مذهب مالك ، وهو خلاف ما ذكره ابن القاسم أنه لا يلزمه النزول ، وحجته إباحة النبي - صلى الله عليه وسلم - له الركوب فجاز له استصحابه . وقوله : إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا يدل على صحة ما قاله الإمام الشافعي وأبو حنيفة - رضي الله عنهما - ؛ وما حكاه إسماعيل عن مذهب مالك . وقد جاء صريحا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا يسوق بدنة وقد جهد ، فقال : اركبها . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن نقصها الركوب المباح فعليه قيمة ذلك ويتصدق به .

قوله تعالى : ثم محلها إلى البيت العتيق يريد أنها تنتهي إلى البيت ، وهو الطواف . فقوله : ( محلها ) مأخوذ من إحلال المحرم . والمعنى أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ، ورمي الجمار ، والسعي ينتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق . فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه ؛ قاله مالك في الموطإ . وقال عطاء : ينتهي إلى مكة . وقال الشافعي : إلى الحرم . وهذا بناء على أن الشعائر هي البدن ، ولا وجه لتخصيص الشعائر مع عمومها وإلغاء خصوصية ذكر البيت . والله أعلم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022