تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الروم الأية 27


سورة Sura   الروم   Ar-Room
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ۞ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)
الصفحة Page 407
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)

قوله تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم .

قوله تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولادته ، وأما إعادته فإحياؤه بعد الموت بالنفخة الثانية للبعث ; فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلا على ما يخفى من إعادته ; استدلالا بالشاهد على الغائب ، ثم أكد ذلك بقوله : وهو أهون عليه وقرأ ابن مسعود وابن عمر : ( يبدئ الخلق ) من أبدأ يبدئ ; دليله قوله تعالى : إنه هو يبدئ ويعيد . ودليل قراءة العامة قوله سبحانه : كما بدأكم تعودون . و أهون بمعنى هين ; أي الإعادة هين عليه ; قاله الربيع بن خثيم والحسن . فأهون بمعنى هين ; لأنه ليس شيء أهون على الله من شيء . قال أبو عبيدة : ومن جعل أهون يعبر عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله تعالى : وكان ذلك على الله يسيرا وبقوله : ولا يئوده حفظهما . والعرب تحمل أفعل على فاعل ، ومنه قول الفرزدق :

إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول

أي دعائمه عزيزة طويلة . وقال آخر [ معن بن أوس ] :

لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول

أراد : إني لوجل . وأنشد أبو عبيدة أيضا :

إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل

أراد لمائل . وأنشد أحمد بن يحيى :

تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أراد بواحد . وقال آخر :

لعمرك إن الزبرقان لباذل لمعروفه عند السنين وأفضل

أي وفاضل . ومنه قولهم : الله أكبر ; إنما معناه الله الكبير . وروى معمر عن قتادة قال : في قراءة عبد الله بن مسعود ( وهو عليه هين ) . وقال مجاهد وعكرمة والضحاك : إن المعنى أن الإعادة أهون عليه - أي على الله - من البداية ; أي أيسر ، وإن كان جميعه على الله تعالى هينا ; وقاله ابن عباس . ووجهه أن هذا مثل ضربه الله تعالى لعباده ; يقول : إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه ; فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية عندكم وفيما بينكم أهون عليه من الإنشاء . وقيل : الضمير في عليه للمخلوقين ; أي وهو أهون عليه ، أي على الخلق ، يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ويقال لهم : كونوا فيكونون ; فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفا ، ثم علقا ، ثم مضغا ، ثم أجنة ، ثم أطفالا ، ثم غلمانا ، ثم شبانا ، ثم رجالا أو نساء . وقاله ابن عباس وقطرب . وقيل أهون أسهل ; قال :

وهان على أسماء أن شطت النوى يحن إليها واله ويتوق

أي سهل عليها ، وقال الربيع بن خثيم في قوله تعالى : وهو أهون عليه قال : ما شيء على الله بعزيز . عكرمة : تعجب الكفار من إحياء الله الموتى فنزلت هذه الآية . وله المثل الأعلى أي ما أراده جل وعز كان . وقال الخليل : المثل الصفة ; أي وله الوصف الأعلى في السماوات والأرض كما قال : مثل الجنة التي وعد المتقون أي صفتها . وقد مضى الكلام في ذلك . وعن مجاهد : المثل الأعلى قول لا إله إلا الله ; ومعناه : أي الذي له الوصف الأعلى ، أي الأرفع الذي هو الوصف بالوحدانية . وكذا قال قتادة : إن المثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله ; ويعضده قوله تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم على ما نبينه آنفا إن شاء الله تعالى . وقال الزجاج : وله المثل الأعلى في السماوات والأرض أي قوله : وهو أهون عليه قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل ; يريد التفسير الأول . وقال ابن عباس : أي ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم تقدم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022