تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الحديد الأية 20


سورة Sura   الحديد   Al-Hadid
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
الصفحة Page 540
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)

قوله تعالى : اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وجه الاتصال أن الإنسان قد يترك الجهاد خوفا على نفسه من القتل ، وخوفا من لزوم الموت ، فبين أن الحياة الدنيا منقضية فلا ينبغي أن يترك أمر الله محافظة على ما لا يبقى . و " ما " صلة تقديره : اعلموا أن الحياة الدنيا لعب باطل ، ولهو فرح ثم ينقضي . وقال قتادة : لعب ولهو : أكل وشرب . وقيل : إنه على المعهود من اسمه ، قال مجاهد : كل لعب لهو . وقد مضى هذا المعنى في ( الأنعام ) وقيل : اللعب ما رغب في الدنيا ، واللهو ما ألهى عن الآخرة ، أي : شغل عنها . وقيل : اللعب : الاقتناء ، واللهو : النساء .

" وزينة " الزينة ما يتزين به ، فالكافر يتزين بالدنيا ولا يعمل للآخرة ، وكذلك من تزين في غير طاعة الله .

وتفاخر بينكم أي : يفخر بعضكم على بعض بها . وقيل : بالخلقة والقوة . وقيل : بالأنساب على عادة العرب في المفاخرة بالآباء . وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : أربع في أمتي من أمر الجاهلية : الفخر في الأحساب الحديث . وقد تقدم جميع هذا .

وتكاثر في الأموال والأولاد لأن عادة الجاهلية أن تتكاثر بالأبناء والأموال ، وتكاثر المؤمنين بالإيمان والطاعة . قال بعض المتأخرين : لعب كلعب الصبيان ولهو كلهو الفتيان وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الأقران وتكاثر كتكاثر الدهقان . وقيل : المعنى أن الدنيا كهذه الأشياء في الزوال والفناء . وعن علي رضي الله عنه قال لعمار : لا تحزن على الدنيا ، فإن الدنيا ستة أشياء : مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح ، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة ، وأكثر شرابها الماء يستوي فيه جميع الحيوان ، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة ، وأفضل المشموم المسك وهو دم فأرة ، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال ، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال ، والله إن المرأة لتزين أحسنها يراد به أقبحها . ثم ضرب الله تعالى لها مثلا بالزرع في غيث فقال : كمثل غيث أي : مطر أعجب الكفار نباته الكفار هنا : الزراع لأنهم يغطون البذر . والمعنى أن الحياة الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إليه لخضرته بكثرة الأمطار ، ثم لا يلبث أن يصير هشيما كأن لم يكن ، وإذا أعجب الزراع فهو غاية ما يستحسن . وقد مضى معنى هذا المثل في ( يونس ) و ( الكهف ) . وقيل : الكفار هنا الكافرون بالله عز وجل ، لأنهم أشد إعجابا بزينة الدنيا من المؤمنين . وهذا قول حسن ، فإن أصل الإعجاب لهم وفيهم ، ومنهم يظهر ذلك ، وهو التعظيم للدنيا وما فيها . وفي الموحدين من ذلك فروع تحدث من شهواتهم ، وتتقلل عندهم وتدق إذا ذكروا الآخرة . وموضع الكاف رفع على الصفة . ثم يهيج أي : يجف بعد خضرته فتراه مصفرا أي : متغيرا عما كان عليه من النضرة . ثم يكون حطاما أي : فتاتا وتبنا فيذهب بعد حسنه ، كذلك دنيا الكافر . وفي الآخرة عذاب شديد أي : للكافرين . والوقف عليه حسن ، ويبتدئ ومغفرة من الله ورضوان أي : للمؤمنين .

. وقال الفراء : وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة تقديره إما عذاب شديد وإما مغفرة ، فلا يوقف على شديد . وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور هذا تأكيد ما سبق ، أي : تغر الكفار ، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة . وقيل : العمل للحياة الدنيا متاع الغرور تزهيدا في العمل للدنيا ، وترغيبا في العمل للآخرة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022