تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  القلم الأية 13


سورة Sura   القلم   Al-Qalam
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ (30)
القلم Al-Qalam
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
الصفحة Page 564
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)

عتل بعد ذلك زنيم العتل الجافي الشديد في كفره . وقال الكلبي والفراء : هو الشديد الخصومة بالباطل . وقيل : إنه الذي يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب . مأخوذ من العتل وهو الجر ; ومنه قوله تعالى : خذوه فاعتلوه . وفي الصحاح : وعتلت الرجل أعتله وأعتله إذا جذبته جذبا عنيفا . ورجل معتل ( بالكسر ) . وقال يصف فرسا :

نفرعه فرعا ولسنا نعتله

قال ابن السكيت : عتله وعتنه ، باللام والنون جميعا . والعتل الغليظ الجافي . والعتل أيضا : الرمح الغليظ . ورجل عتل ( بالكسر ) بين العتل ; أي سريع إلى الشر . ويقال : لا أنعتل معك ; أي لا أبرح مكاني . وقال عبيد بن عمير : العتل الأكول الشروب القوي الشديد يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة ; يدفع الملك من أولئك في جهنم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا . وقال علي بن أبي طالب والحسن : العتل الفاحش السيئ الخلق . وقال معمر : هو الفاحش اللئيم . قال الشاعر :

بعتل من الرجال زنيم غير ذي نجدة وغير كريم

وفي صحيح مسلم عن حارثة بن وهب سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بأهل الجنة . قالوا : بلى . قال : كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره . ألا أخبركم بأهل النار . قالوا : بلى . قال : كل عتل جواظ مستكبر . في رواية عنه : كل جواظ زنيم متكبر " . الجواظ : قيل هو الجموع المنوع . وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته . وذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم ، ورواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم " . فقال رجل : ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجواظ الذي جمع ومنع . والجعظري الغليظ . والعتل الزنيم الشديد الخلق ، الرحيب الجوف ، المصحح الأكول الشروب ، الواجد للطعام ، الظلوم للناس " . وذكره الثعلبي عن شداد بن أوس : " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم " . سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : وما الجواظ ؟ قال : الجماع المناع . قلت : وما الجعظري ؟ قال : الفظ الغليظ . قلت : وما العتل الزنيم ؟ قال : الرحيب الجوف ، الوثير الخلق ، الأكول الشروب ، الغشوم الظلوم .

قلت : فهذا التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم في العتل قد أربى على أقوال المفسرين . ووقع في كتاب أبي داود في تفسير الجواظ أنه الفظ الغليظ . ذكره من حديث حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري " . قال : والجواظ : الفظ الغليظ . ففيه تفسيران مرفوعان حسب ما ذكرناه أولا . وقد قيل : إنه الجافي القلب . وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى : عتل بعد ذلك زنيم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تبكي السماء من رجل أصح الله جسمه ، ورحب جوفه ، وأعطاه من الدنيا بعضا ، فكان للناس ظلوما ، فذلك العتل الزنيم . وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الأرض تقله " . والزنيم الملصق بالقوم الدعي ; عن ابن عباس وغيره . قال الشاعر :

زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع

وعن ابن عباس أيضا أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة . وروى عنه ابن جبير . أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها . وقال عكرمة : هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها . وقيل : إنه الذي يعرف بالأبنة . وهو مروي عن ابن عباس أيضا . وعنه أنه الظلوم . فهذه ستة أقوال . وقال مجاهد : زنيم كانت له ستة أصابع في يده ، في كل إبهام له إصبع زائدة . وعنه أيضا وسعيد بن المسيب وعكرمة : هو ولد الزنا الملحق في النسب بالقوم . وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم ; ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده . قال الشاعر :

زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم

وقال حسان :

وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

قلت : وهذا هو القول الأول بعينه . وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه الذي لا أصل له ; والمعنى واحد . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة ولد زنا ، ولا ولده ، ولا ولد ولده " . وقال عبد الله بن عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أولاد الزنا يحشرون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير " . وقالت ميمونة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا ، فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب " . وقال عكرمة : إذا كثر ولد الزنا قحط المطر .

قلت : أما الحديث الأول والثاني فما أظن لهما سندا يصح ، وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول : " لا إله إلا الله . ويل للعرب من شر قد اقترب . فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه . وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث " خرجه البخاري . وكثرة الخبث ظهور الزنا وأولاد الزنا ; كذا فسره العلماء . وقول عكرمة " قحط المطر " تبيين لما يكون به الهلاك . وهذا يحتاج إلى توقيف ، وهو أعلم من أين قاله . ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن المغيرة ، وكان يطعم أهل منى حيسا ثلاثة أيام ، وينادي : ألا لا يوقدن أحد تحت برمة ، ألا لا يدخنن أحد بكراع ، ألا ومن أراد الحيس فليأت الوليد بن المغيرة . وكان ينفق في الحجة الواحدة عشرين ألفا وأكثر . ولا يعطي المسكين درهما واحدا فقيل : مناع للخير . وفيه نزل : ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة . وقال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق ، لأنه حليف ملحق في بني زهرة ، فلذلك سمي زنيما . وقال ابن عباس : في هذه الآية نعت ، فلم يعرف حتى قتل فعرف ، وكان له زنمة في عنقه معلقة يعرف بها . وقال مرة الهمداني : إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022