قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق يجوز أن يكون العامل في " يوم " فليأتوا أي فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق ليشفع الشركاء لهم . ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل ، أي اذكر يوم يكشف عن ساق ; فيوقف على صادقين ولا يوقف عليه على التقدير الأول . وقرئ " يوم نكشف " بالنون . وقرأ ابن عباس " يوم تكشف عن ساق " بتاء مسمى الفاعل ; أي تكشف الشدة أو القيامة عن ساقها ; كقولهم : شمرت الحرب عن ساقها . قال الشاعر :
فتى الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال الراجز :
قد كشفت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
وقال آخر :
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طراد الطير عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها حمراء تبري اللحم عن عراقها
وقال آخر :
كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
وعن ابن عباس أيضا والحسن وأبي العالية " تكشف " بتاء غير مسمى الفاعل . وهذه القراءة راجعة إلى معنى يكشف وكأنه قال : يوم تكشف القيامة عن شدة . وقرئ " يوم تكشف " بالتاء المضمومة وكسر الشين ; من أكشف إذا دخل في الكشف . ومنه : أكشف الرجل فهو مكشف ; إذا انقلبت شفته العليا . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق قال : عن كرب وشدة . أخبرنا ابن جريج عن مجاهد قال : شدة الأمر وجده . وقال مجاهد : قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة . وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الحرب والأمر قيل : كشف الأمر عن ساقه . والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه ; فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة . وقيل : ساق الشيء أصله الذي به قوامه ; كساق الشجرة وساق الإنسان . أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها . وقيل : يكشف عن ساق جهنم . وقيل : عن ساق العرش . وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ; أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج . فأما ما روي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى . ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره . وقيل : يكشف عن نوره عز وجل . وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : عن ساق قال : يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا . وقال أبو الليث السمرقندي في تفسيره : حدثنا الخليل بن أحمد قال : حدثنا ابن منيع قال : حدثنا هدبة قال : حدثنا حماد بن سلمة عن عدي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا ، فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد ، فيقال لهم : ما تنتظرون وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره - قال - وتعرفونه إذا رأيتموه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : فكيف تعرفونه ولم تروه ؟ قالوا : إنه لا شبيه له . فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجدا ، وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون فيقول الله تعالى : عبادي ، ارفعوا رءوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار " . قال أبو بردة : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال : آلله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث ؟ فحلف له ثلاثة أيمان ; فقال عمر : ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إلي من هذا . وقال قيس بن السكن : حدث عبد الله بن مسعود عند عمر بن الخطاب فقال : إذا كان يوم القيامة قام الناس لرب العالمين أربعين عاما شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم أربعين عاما ، ثم ينادي مناد : أيها الناس ، أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم وأماتكم وأحياكم ثم عبدتم غيره أن يولي كل قوم ما تولوا ؟ قالوا : نعم . قال : فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونها حتى تقذفهم في النار ، فيبقى المسلمون والمنافقون فيقال لهم : ألا تذهبون ، قد ذهب الناس ؟ فيقولون : حتى يأتينا ربنا ; فيقال لهم : أوتعرفونه ؟ فيقولون : إن اعترف لنا عرفناه . قال فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلى لهم فيخر من كان يعبده مخلصا ساجدا ، ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأن في ظهورهم السفافيد ، فيذهب بهم إلى النار ، ويدخل هؤلاء الجنة ; فذلك قوله تعالى : ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون .