قوله تعالى وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون قيل : المعنى وإخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس تمدهم الشياطين في الغي . وقيل للفجار إخوان الشياطين لأنهم يقبلون منهم . وقد سبق في هذه الآية ذكر الشيطان . هذا أحسن ما قيل فيه ; وهو قول قتادة والحسن والضحاك . ومعنى لا يقصرون أي لا يتوبون ولا يرجعون . وقال الزجاج : في الكلام تقديم وتأخير ; والمعنى : والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ، وإخوانهم يمدونهم في الغي ; لأن الكفار إخوان الشياطين . ومعنى الآية : إن المؤمن إذا مسه طيف من الشيطان تنبه عن قرب ; فأما المشركون فيمدهم الشيطان و لا يقصرون . قيل : يرجع إلى الكفار على القولين جميعا . وقيل : يجوز أن يرجع إلى الشيطان . قال قتادة : المعنى ثم لا يقصرون عنهم ولا يرحمونهم . والإقصار : الانتهاء عن الشيء ، أي لا تقصر الشياطين في مدهم الكفار بالغي . وقوله : في الغي يجوز أن يكون متصلا بقوله : يمدونهم ويجوز أن يكون متصلا بالإخوان . والغي : الجهل . وقرأ نافع " يمدونهم " بضم الياء وكسر الميم . والباقون بفتح الياء وضم الميم . وهما لغتان مد وأمد . ومد أكثر ، بغير الألف ; قاله مكي . النحاس وجماعة من أهل العربية ينكرون قراءة أهل المدينة ; منهم أبو حاتم وأبو عبيد ، قال أبو حاتم : لا أعرف لها وجها ، إلا أن يكون المعنى يزيدونهم في الغي . وحكى جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيد أنه يقال إذا كثر شيء شيئا بنفسه مده ، وإذا كثره بغيره قيل أمده ; نحو يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين . وحكي عن محمد بن يزيد أنه احتج لقراءة أهل المدينة قال : يقال مددت له في كذا أي زينته له واستدعيته أن يفعله . وأمددته في كذا أي أعنته برأي أو غير ذلك . قال مكي : والاختيار الفتح ; لأنه يقال : مددت في الشر ، وأمددت في الخير ; قال الله تعالى : ويمدهم في طغيانهم يعمهون . فهذا يدل على قوة الفتح في هذا الحرف ; لأنه في الشر ، والغي هو الشر ، ولأن الجماعة عليه . وقرأ عاصم الجحدري " يمادونهم في الغي " . وقرأ عيسى بن عمر " يقصرون " بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف . الباقون يقصرون بضمه ، وهما لغتان . قال امرؤ القيس :
سما لك شوق بعد ما كان أقصرا