وقيل : القصر : الجبل , فشبه الشرر بالقصر في مقاديره , ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر , وهي الإبل السود ; والعرب تسمي السود من الإبل صفرا ; قال الشاعر : تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيب أي هن سود .
وإنما سميت السود من الإبل صفرا لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة ; كما قيل لبيض الظباء : الأدم ; لأن بياضها تعلوه كدرة : والشرر إذا تطاير وسقط وفيه بقية من لون النار أشبه شيء بالإبل السود , لما يشوبها من صفرة .
وفي شعر عمران بن حطان الخارجي : دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم بمثل الجمال الصفر نزاعة الشوى وضعف الترمذي هذا القول فقال : وهذا القول محال في اللغة , أن يكون شيء يشوبه شيء قليل , فنسب كله إلى ذلك الشائب , فالعجب لمن قد قال هذا , وقد قال الله تعالى : " جمالات صفر " فلا نعلم شيئا من هذا في اللغة .
ووجهه عندنا أن النار خلقت من النور فهي نار مضيئة , فلما خلق الله جهنم وهي موضع النار , حشى ذلك الموضع بتلك النار , وبعث إليها سلطانه وغضبه , فاسودت من سلطانه وازدادت حدة , وصارت أشد سوادا من النار ومن كل شيء سوادا , فإذا كان يوم القيامة وجيء بجهنم في الموقف رمت بشررها على أهل الموقف , غضبا لغضب الله , والشرر هو أسود ; لأنه من نار سوداء , فإذا رمت النار بشررها فإنها ترمي الأعداء به , فهن سود من سواد النار , لا يصل ذلك إلى الموحدين ; لأنهم في سرادق الرحمة قد أحاط بهم في الموقف , وهو الغمام الذي يأتي فيه الرب تبارك وتعالى , ولكن يعاينون ذلك الرمي , فإذا عاينوه نزع الله ذلك السلطان والغضب عنه في رأي العين منهم حتى يروها صفراء ; ليعلم الموحدون أنهم في رحمة الله لا في سلطانه وغضبه .
وكان ابن عباس يقول : الجمالات الصفر : حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال .
ذكره البخاري .
وكان يقرؤها " جمالات " بضم الجيم , وكذلك قرأ مجاهد وحميد " جمالات " بضم الجيم , وهي الحبال الغلاظ , وهي قلوس السفينة أي حبالها .
وواحد القلوس : قلس .
وعن ابن عباس أيضا على أنها قطع النحاس .
والمعروف في الحبل الغليظ جمل بتشديد الميم كما تقدم في " الأعراف " .
و " جمالات " بضم الجيم : جمع جمالة بكسر الجيم موحدا , كأنه جمع جمل , نحو حجر وحجارة , وذكر وذكارة , وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري " جمالة " بضم الجيم موحدا وهي الشيء العظيم المجموع بعضه إلى بعض .
وقرأ حفص وحمزة والكسائي " جمالة " وبقية السبعة " جمالات " قال الفراء : يجوز أن تكون الجمالات جمع جمال كما يقال : رجل ورجال ورجالات .
وقيل : شبهها بالجمالات لسرعة سيرها .
وقيل : لمتابعة بعضها بعضا .