ثم بين- سبحانه- أنه كان قادرا على تعذيبهم في الدنيا قبل الآخرة ولكنه أخر عذابهم إملاء لهم فقال: أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ....
وقوله: معجزين من الإعجاز بمعنى عدم المقدرة على الشيء.
أى: أولئك الذين افتروا على الله الكذب لم يكن- سبحانه- عاجزا عن إنزال العذاب الشديد بهم في الدنيا. وما كان لهم من غيره من نصراء ينصرونهم من بأسه لو أراد إهلاكهم.
قال الإمام الرازي: قال الواحدي: معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد، يقال أعجزنى فلان أى: منعني عن مرادى ...
والمقصود أن قوله أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ دل على أنه لا قدرة لهم على الفرار.
وقوله: وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ دل على أن أحدا لا يقدر على تخليصهم من عذابه. فجمع- سبحانه- بين ما يرجع إليهم وبين ما يرجع إلى غيرهم، ووضح بذلك انقطاع حيلهم في الخلاص من عذاب الدنيا والآخرة» .
وقوله: يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ جملة مستأنفة لبيان أن من حكمة تأخير العذاب عنهم في الدنيا مضاعفة العذاب لهم في الآخرة.
وقوله: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ تصوير بليغ لاستحواذ الشيطان عليهم.
أى أن هؤلاء المجرمين بلغ بهم الجهل والعناد والجحود أنهم ما كانوا يستطيعون السماع للحق الذي جاءهم من ربهم لثقله على نفوسهم الفاسدة، وما كانوا يبصرون المعجزات الدالة على صدق نبيهم صلى الله عليه وسلم.
فليس المراد نفى السماع والإبصار الحسيين عنهم وإنما المراد أنهم لانطماس بصائرهم صاروا كمن لا يسمع ولا يرى.