فقوله- تعالى-: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ ... بيان لما رد به الظالمون على نبيهم إبراهيم- عليه السلام- بعد أن وعظهم ونصحهم وأقام لهم أوضح الأدلة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.
ولفظ «جواب» بالنصب، خبر كان، واسمها قوله: إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه..
والمراد بقتله: إزهاق روحه بسيف ونحوه، لتظهر المقابلة بين الإحراق والقتل.
وجاء هنا الترديد بين الأمرين، للاشعار بأن من قومه من أشار بقتله، ومنهم من أشار بإحراقه، ثم اتفقوا جميعا على الإحراق، كما جاء في قوله- تعالى-: قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.
والمعنى: فما كان جواب قوم إبراهيم له، بعد أن نصحهم وظهرت حجته عليهم، إلا أن قالوا فيما بينهم، اقتلوه بالسيف، أو أحرقوه بالنار، لتستريحوا منه، وتريحوا آلهتكم من عدوانه عليها، وتحطيمه لها ...
وقولهم هذا الذي حكاه القرآن عنهم، يدل على إسرافهم في الظلم والطغيان والجهالة ...
والفاء في قوله- تعالى- فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ فصيحة. أى: فاتفقوا على إحراقه بالنار، وألقوه فيها بعد اشتعالها، فأنجاه الله- تعالى- منها، بأن جعلها بردا وسلاما عليه ...
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.. أى: إن في ذلك الذي فعلناه بقدرتنا مع إبراهيم- عليه السلام- حيث أخرجناه سليما من النار لَآياتٍ بينات على وحدانيتنا وقدرتنا، لقوم يؤمنون، بأن الله- تعالى- هو رب العالمين، وأنه له الخلق والأمر.
وجمع- سبحانه- الآيات لأن في نجاة إبراهيم، دلالات متعددة على قدرة الله- تعالى- لا دلالة واحدة، فنجاته من النار وتحويلها عليه إلى برد وسلام آية، وعجز المشركين جميعا عن أن يلحقوا به ضررا آية ثانية، وإصرارهم على كفرهم مع ما شاهدوه، آية ثالثة على أن القلوب الجاحدة تبقى على جحودها حتى مع وجود المعجزات الدالة على صدق من جاء بها من عند الله- تعالى-.
ولذا خص- سبحانه- هذه الآيات، لأنهم هم وحدهم المنتفعون بها.