ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة من نعمه التي أنعمها عليهم في رحلتهم هذه التي انتهت بصلح الحديبية فقال: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ، وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ، بِبَطْنِ مَكَّةَ، مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ...
والمراد ببطن مكة: الحديبية، وسميت بذلك لأنها قريبة من مكة. أى: وهو- سبحانه- الذي منع المشركين- بقدرته وحكمته من مهاجمتكم والاعتداء عليكم، ومنعكم من مهاجمتهم وقتالهم، في هذا المكان القريب من مكة، وكان ذلك بعد أن نصركم عليهم، وجعلكم أعلى منهم في القوة والحجة والثبات، وكان- سبحانه- وما زال بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً.
وقد ذكروا في هذا الظفر روايات منها ما أخرجه الإمام مسلم وغيره عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح، من قبل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عليهم، فأخذوا فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية» .
فالآية الكريمة تذكير من الله- تعالى- لعباده المؤمنين، بجانب من نعمه عليهم، ورحمته بهم. وهو تذكير يتعلق بأمور شاهدوها بأعينهم، وعاشوا أحداثها، وعند ما يأتى التذكير بالأمور المشاهدة المحسوسة، يكون أدعى إلى الشكر لله- عز وجل-.
ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة أخرى من نعمه عليهم، وكشف لهم عن جانب من حكمته في منع القتال بينهم وبين مشركي مكة، وفي هدايتهم إلى هذا الصلح فقال: