والكاف في قوله- تعالى-: كَذلِكَ في محل نصب نعت لمصدر محذوف، أى: نقص عليك- أيها الرسول الكريم- من أنباء ما قد سبق من أحوال الأمم الماضية، قصصا مثل ما قصصناه عليك عن موسى وهارون. وما دار بينهما وبين فرعون وبين بنى إسرائيل.
ومِنْ في قوله مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ للتبعيض، ويشهد لذلك أن القرآن قد صرح في كثير من آياته، أن الله- تعالى- لم يقص على الرسول صلّى الله عليه وسلّم جميع أحوال الأمم السابقة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ
.
ومن فوائد ما قصه الله- تعالى- عليه من أنباء السابقين: زيادة علمه صلّى الله عليه وسلّم، وتكثير معجزاته، وتثبيت فؤاده، وتسليته عما أصابه من سفهاء قومه، وتذكير المؤمنين بأحوال تلك الأمم السابقة ليعتبروا ويتعظوا.
وقوله- سبحانه-: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً تنويه وتعظيم لشأن القرآن الكريم.
أى: وقد أعطيناك ومنحناك من عندنا وحدنا ذِكْراً عظيما. وهو القرآن الكريم، كما قال- تعالى-: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.
قال الفخر الرازي: وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه:
أحدها: أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم.
وثانيها: أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه على الناس، ففيه التذكير والوعظ.
وثالثها: أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك، كما قال- سبحانه-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ .