ثم بين- سبحانه- بعد ذلك، بعض مظاهر قدرته التي لا يعجزها شيء فقال- تعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ .
والخطاب في قوله أَلَمْ تَرَ ... لكل من يصلح له بدون تعيين. والاستفهام للتقرير.
والرؤية مستعملة في العلم الناشئ عن النظر والتفكير والتأمل في ملكوت السموات والأرض.
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله- تعالى- أَلَمْ تَرَ ... هذا التعبير قد يذكر لمن تقدم علمه فيكون للتعجب، وقد يذكر لمن لا يكون كذلك، فيكون لتعريفه وتعجيبه، وقد اشتهر في ذلك حتى أجرى مجرى المثل في هذا الباب، بأن شبه من لم ير الشيء بحال من رآه في أنه لا ينبغي أن يخفى عليه، وأنه ينبغي أن يتعجب منه، ثم أجرى الكلام معه، كما يجرى مع من رأى، قصدا إلى المبالغة في شهرته وعراقته في التعجب ... » .
والمعنى ألم تعلم- أيها العاقل- أن الله- تعالى- خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ. أى: خلقهما بالحكمة البالغة المنزهة عن العبث، وبالوجه الصحيح الذي تقتضيه إرادته، وهو- سبحانه- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أى- يهلككم أيها الناس وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ سواكم، لأن القادر على خلق السموات والأرض وما فيهما من أجرام عظيمة، يكون على خلق غيرهما أقدر، كما قال- تعالى- لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ... .