قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي ... حكاية إجمالية لما انتهى اليه أمر فرعون وقومه، وقد طوى- سبحانه- ذكر ما جرى عليهم بعد أن تغلب موسى على السحرة.. وبعد أن مكث موسى يبلغهم دعوة الله- تعالى- مدة طويلة ويطلب منهم إرسال بنى إسرائيل معه» .
وصدرت الآية الكريمة باللام الموطئة للقسم وبقد تأكيدا لهذا الإيحاء، وتقريرا له ...
أى: والله لقد أوحينا إلى عبدنا موسى- عليه السلام- وقلنا له: سر بعبادي من بنى إسرائيل في أول الليل متجها بهم من مصر إلى البحر الأحمر فإذا ما وصلت إليه، فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً.
أى: فاجعل لهم طريقا في البحر يابسا، فالضرب هنا بمعنى الجعل كما في قولهم: ضرب له في ماله سهما. إذا جعل له سهما.
والمراد بالطريق جنسه فإن الطرق التي حدثت بعد أن ضرب موسى بعصاه البحر. كانت اثنى عشر طريقا بعدد أسباط بنى إسرائيل.
وعبر- سبحانه- عن بنى إسرائيل الذين خرجوا مع موسى بعنوان العبودية لله- تعالى- للإشعار بعطفه- عز وجل- عليهم ورحمته بهم، وللتنبيه على طغيان فرعون حيث استعبد واستذل عبادا للخالق- سبحانه- وجعلهم عبيدا له..
قال الجمل: «وقوله يَبَساً صفة لقوله طَرِيقاً وصف به لما يؤول إليه، لأنه لم يكن يبسا بعد. وإنما مرت عليه الصبا فجففته. وقيل: هو في الأصل مصدر وصف به للمبالغة، أو على حذف مضاف، أو جمع يابس كخادم وخدم وصف به الواحد مبالغة» .
وقوله- سبحانه-: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى تذييل قصد به تثبيت فؤاد موسى- عليه السلام- وإدخال الطمأنينة على قلبه.
والدرك: اسم مصدر بمعنى الإدراك. والجملة في محل نصب على الحال من فاعل «اضرب» .
أى: اضرب لهم طريقا في البحر يابسا، حالة كونك غير خائف من أن يدركك فرعون وجنوده من الخلف، وغير وجل من أن يغرقكم البحر من أمامكم.
فالآية الكريمة قد اشتملت على كل ما من شأنه أن يغرس الأمان والاطمئنان في قلب موسى ومن معه.