ثم حكى القرآن دعوة ثالثة تضرع بها إبراهيم إلى ربه فقال: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
القواعد: جمع قاعدة، وهي أساس البناء الموالي للأرض، وبها يكون ثبات البناء. ورفعها:
إبرازها عن الأرض بالبناء عليها. والمراد بالبيت الكعبة.
والتقبل: القبول، وقبول الله للعمل أن يرضاه أو يثيب عليه.
والمعنى: واذكر يا محمد ما صدر من الرسولين الكريمين إبراهيم وإسماعيل فقد كانا وهما يقومان يرفع قواعد الكعبة يتضرعان إلى ويقولان: يا ربنا تقبل منا أقوالنا وأعمالنا، إنك أنت السميع العليم.
وتصدير الدعاء بندائه- سبحانه- باسم الرب المضاف إلى ضميرهما مظهر من مظاهر خضوعهما، وإجلالهما لمقامه، والخضوع له- سبحانه-، وإجلال مقامه من أسنى الآداب التي تجعل الدعاء بمقربة من الاستجابة.
وعبر بالمضارع فقال: وَإِذْ يَرْفَعُ مع أن رفع القواعد كان قبل نزول الآية، وذلك ليخرجه في صورة الحاضر في الواقع لأهمّيّته.
وختما دعاءهما بذكر اسمين من أسمائه الحسنى، ليؤكدا أن رجاءهما في استجابة دعائهما وثيق، وأن ما عملاه ابتغاء مرضاته جدير بالقبول. لأن من كان سميعا عليما بنيات الداعين وصدق ضمائرهم، كان تفضله باستجابة دعاء المخلصين في طاعته غير بعيد.