ولِسَبَإٍ في الأصل اسم لرجل، وهو: سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود، وهو أول ملك من ملوك اليمن..
والمراد به هنا: الحي أو القبيلة المسماة باسمه، فيصرف على الأول ويترك صرفه على الثاني.
وكانوا يسكنون بمأرب باليمن، على مسيرة ثلاثة أيام من صنعاء وكانت أرضهم مخصبة ذات بساتين وأشجار متنوعة، وزاد خيرهم ونعيمهم بعد أن أقاموا سدا، ليأخذوا من مياه الأمطار على قدر حاجتهم، وكان هذا السد يعرف بسد مأرب، ولكنهم لم يشكروا الله- تعالى- على هذه النعم، فسلبها- سبحانه- منهم.
قال ابن كثير: كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس منهم، وكانوا في نعمة وغبطة، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته فكانوا كذلك ما شاء الله، ثم أعرضوا عما أمروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد.
أخرج الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن سبأ:
ما هو؟ رجل أم امرأة أم أرض؟ فقال صلّى الله عليه وسلم: بل هو رجل. كان له عشرة أولاد، سكن اليمن منهم ستة، وهم: مذحج، وكنده، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير. وسكن الشام منهم أربعة وهم: لخم، وجذام، وعاملة، وغسّان..
وإنما سمى «سبأ» لأنه أول من سبأ في العرب- أى: جمع السبايا-، وكان يقال له الرائش، لأنه أول من غنم في الغزو فأعطى قومه، فسمى الرائش، والعرب تسمى المال- ريشا ورياشا، وذكروا أنه بشر برسول الله صلّى الله عليه وسلم، في زمانه المتقدم» .
والمعنى: والله لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم التي يعيشون فيها آيَةٌ بينة واضحة، وعلامة ظاهرة تدل على قدرة الله- تعالى- وعلى فضله على خلقه وعلى وجوب شكره على نعمه، وعلى سوء عاقبة الجاحدين لهذه النعم.
فالمراد بالآية: العلامة الواضحة الدالة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته وبديع صنعه، ووجوب شكره، والتحذير من معصيته.
ثم وضح- سبحانه- هذه الآية فقال: جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ أى: كانت لأهل سبأ طائفتان من البساتين والجنان: طائفة من يمين بلدهم، وطائفة أخرى عن شماله.
وهذه البساتين المحيطة بهم كانت زاخرة بما لذ وطاب من الثمار.
قالوا: كانت المرأة تمشى تحت أشجار تلك البساتين وعلى رأسها المكتل، فيمتلئ من أنواع الفواكه التي تتساقط في مكتلها دون جهد منها.
ولفظ جَنَّتانِ مرفوع على البدل من آيَةٌ أو على أنه مبتدأ، وخبره قوله: عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ.
وقوله- تعالى-: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ... مقول لقول محذوف.
أى: وقلنا لهم على ألسنة رسلنا، وعلى ألسنة الصالحين منهم، كلوا من الأرزاق الكريمة، والثمار الطيبة، التي أنعم بها ربكم عليكم، واشكروا له- سبحانه- هذا العطاء، فإنكم إذا شكرتموه زادكم من فضله وإحسانه.
وقوله: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ كلام مستأنف لبيان موجبات الشكر.
أى: هذه البلدة التي تسكنونها بلدة طيبة لاشتمالها على كل ما تحتاجونه من خيرات، وربكم الذي أعطاكم هذه النعم، رب واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه وأناب، ويعفو عن كثير من ذنوب عباده بفضله وإحسانه.