ولكن هذا الإيقان والاعتراف منهم، قد جاء في غير أوانه، ولذا لا يقبله- سبحانه- منهم، ولذا عقب- سبحانه- على ما قالوه بقوله: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها.... أى: ولو شئنا أن نؤتى كل نفس رشدها وهداها وتوفيقها إلى الإيمان، لفعلنا، لأن إرادتنا نافذة، وقدرتنا لا يعجزها شيء.
وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي أى: ولكن ثبت وتحقق قولي.
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ أى من الجن وسموا بذلك لاستتارهم عن الأنظار.
ومن النَّاسِ أَجْمَعِينَ بسبب فسوقهم عن أمرنا، وتكذيبهم لرسلنا.
فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها شيء، إلا أن حكمته- سبحانه- قد اقتضت أن الذين سبق في علمه أنهم يؤثرون الضلالة على الهداية، لسوء استعدادهم، يكون مصيرهم إلى النار، وأما الذين آثروا الهداية على الضلالة لنقاء نفوسهم، وكمال استعدادهم، فيكون مصيرهم إلى جنة عرضها السموات والأرض.
كما أن حكمته- سبحانه- قد اقتضت أن يميز الإنسان على غيره، بأن يجعل له طبيعة خاصة يملك معها اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال. كما قال- تعالى- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً. إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً.