وقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.. استئناف مقرر لمضمون ما قبله من الأمر بوجوب الإصلاح بين المتخاصمين.
أى: إنما المؤمنون إخوة في الدين والعقيدة، فهم يجمعهم أصل واحد وهو الإيمان، كما يجمع الإخوة أصل واحد وهو النسب، وكما ان أخوة النسب داعية إلى التواصل والتراحم والتناصر في جلب الخير، ودفع الشر، فكذلك الأخوة في الدين تدعوكم إلى التعاطف والتصالح، وإلى تقوى الله وخشيته، ومتى تصالحتم واتقيتم الله- تعالى- كنتم أهلا لرحمته ومثوبته.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فلم خص الاثنان بالذكر دون الجمع في قوله: فأصلحوا بين أخويكم-؟
قلت: لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل، كانت بين الأكثر ألزم، لأن الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين .
هذا، وقد أخذ العلماء من هاتين الآيتين جملة من الأحكام منها:
أن الأصل في العلاقة بين المؤمنين أن تقوم على التواصل والتراحم، لا على التنازع والتخاصم، وأنه إذا حدث نزاع بين طائفتين من المؤمنين، فعلى بقية المؤمنين أن يقوموا بواجب الإصلاح بينهما حتى يرجعا إلى حكم الله- تعالى-.
قال الشوكانى: إذا تقاتل فريقان من المسلمين، فعلى المسلمين أن يسعوا بالصلح بينهم، ويدعوهم إلى حكم الله فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى، ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه، كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه، فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها، وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم، ويتحروا الصواب المطابق لحكم الله، ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة، حتى تخرج من الظلم، وتؤدى ما يجب عليها نحو الأخرى .
ثم وجه- سبحانه- إلى المؤمنين نداء رابعا، نهاهم فيه عن أن يسخر بعضهم من بعض، أو أن يعيب بعضهم بعضا فقال: