ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بما يدل على كمال قدرته، وسعة علمه فقال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ...
أى: الله- تعالى- وحده هو الذي خلق سبع سماوات طباقا وخلق من الأرض مثلهن، أى: في العدد فهي سبع كالسماوات.
والتعدد قد يكون باعتبار أصول الطبقات الطينية والصخرية والمائية والمعدنية، وغير ذلك من الاعتبارات التي لا يعلمها إلا الله- تعالى-.
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية يقول- تعالى- مخبرا عن قدرته التامة، وسلطانه العظيم، ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ كقوله- تعالى- إخبارا عن نوح أنه قال لقومه: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ... وقال- تعالى- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ.
وقوله: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أى: سبعا- أيضا- كما ثبت في الصحيحين: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه مع سبع أرضين» .
وفي صحيح البخاري: «خسف به إلى سبع أرضين ... »
ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم، فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، وخالف القرآن والحديث بلا مستند.. .
وقال الآلوسى: الله الذي خلق سبع سماوات مبتدأ وخبر وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ أى:
وخلق من الأرض مثلهن، على أن مِثْلَهُنَّ مفعول لفعل محذوف، والجملة معطوفة على الجملة قبلها.
والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف، فقال الجمهور: هي هنا في كونها سبعا وكونها طباقا بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سكان من خلق الله، لا يعلم حقيقتهم أحد إلا الله- تعالى-.
وقيل: المثلية في الخلق لا في العدد ولا في غيره، فهي أرض واحدة مخلوقة كالسماوات السبع.
ورد هذا القيل بأنه قد صح من رواية البخاري وغيره، قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن ... » .
والذي نراه أن كون المثلية في العد، هو المعول عليه، لورود الأحاديث الصحيحة التي صرحت بأن الأرضين سبع، فعلينا أن نؤمن بذلك، وأن نرد كيفية تكوينها، وهيئاتها، وأبعادها، ومساحاتها، وخصائصها.. إلى علم الله- تعالى-.
وقوله: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ أى: يجرى أمر الله- تعالى- وقضاؤه وقدره بينهن، وينفذ حكمه فيهن، فالمراد بالأمر: قضاؤه وقدره ووحيه.
واللام في قوله- تعالى-: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً متعلقة بقوله خَلَقَ ...
أى: خلق- سبحانه- سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وأخبركم بذلك، لتعلموا علما تاما أن الله- تعالى- على كل شيء قدير، وأن علمه- تعالى- قد أحاط بكل شيء سواء أكان هذا الشيء جليلا أم حقيرا، صغيرا أم كبيرا ...
وبعد: فهذا تفسير لسورة «الطلاق» نسأل الله- تعالى- أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..