والضمير في قوله- تعالى-: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم المعبر عنه قبل ذلك بِصاحِبِكُمْ.
والغيب: ما غاب عن مدارك الناس وحواسهم، لأن الله- تعالى- قد استأثر بعلمه.
والضنين: هو البخيل بالشيء، مأخوذ من الضن- بالكسر والفتح- بمعنى البخل.
قال الآلوسى: «وما هو» أى: رسول الله صلى الله عليه وسلم «على الغيب» أى: على ما يخبر به من الوحى إليه وغيره من الغيوب «بضنين» من الضن- بكسر الضاد وفتحها- بمعنى البخل، أى: ببخيل، أى: لا يبخل بالوحي، ولا يقصر في التعليم والتبليغ، ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم، على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون غيرهم على ما يزعمون معرفته إلا بإعطائهم حلوانا.
وقرأ ابن كثير والكسائي وأبو عمر بظنين- بالظاء- أى: وما هو على الغيب بمتهم، من الظنة- بالكسر- بمعنى التهمة.
ثم قال: ورجحت هذه القراءة، لأنها أنسب بالمقام، لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم بذلك، ونفى التهمة، أولى من نفى البخل. .
وهذا القول لا نوافق الآلوسى- رحمه الله- عليه، لأن القراءة متى ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز التفاضل بينها وبين غيرها التي هي مثلها في الثبوت، والقراءتان هنا سبعيتان، ومن ثم فلا ينبغي التفاضل بينهما. والمعنى عليهما واضح ولا تعارض فيه.
أى: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل بتبليغ الوحى، بل هو مبلغ له على أكمل وجه وأتمه، وما هو- أيضا- بمتهم فيما يبلغه عن ربه، لأنه صلى الله عليه وسلم سيد أهل الصدق والأمانة.