إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وإنما عرف حفظ المرأة فرجها من أدلة أخر كآيات الإحصان عموما وخصوصا وغير ذلك من الأدلة . قلت : وعلى هذا التأويل في الآية فلا يحل لامرأة أن يطأها من تملكه إجماعا من العلماء ؛ لأنها غير داخلة في الآية ، ولكنها لو أعتقته بعد ملكها له جاز له أن يتزوجها كما يجوز لغيره عند الجمهور . وروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والشعبي ، والنخعي أنها لو أعتقته حين ملكته كانا على نكاحهما . قال أبو عمر : ولا يقل هذا أحد من فقهاء الأمصار ؛ لأن تملكها عندهم يبطل النكاح بينهما ، وليس ذلك بطلاق وإنما هو فسخ للنكاح ؛ وأنها لو أعتقته بعد ملكها له لم يراجعها إلا بنكاح جديد ولو كانت في عدة منه .
الخامسة : قال محمد بن الحكم : سمعت حرملة بن عبد العزيز قال : سألت مالكا عن الرجل يجلد عميرة ، فتلا هذه الآية والذين هم لفروجهم حافظون - إلى قوله - العادون . وهذا لأنهم يكنون عن الذكر بعميرة ؛ وفيه يقول الشاعر :
إذا حللت بواد لا أنيس به فاجلد عميرة لا داء ولا حرج
ويسميه أهل العراق الاستمناء ، وهو استفعال من المني . وأحمد بن حنبل على ورعه يجوزه ، ويحتج بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة ؛ أصله الفصد والحجامة . وعامة العلماء على تحريمه . وقال بعض العلماء : إنه كالفاعل بنفسه ، وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قيلة ، ويا ليتها لم تقل ؛ ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو المروءة يعرض عنها لدناءتها . فإن قيل : إنها خير من نكاح الأمة ؛ قلنا : نكاح الأمة ولو كانت كافرة على مذهب بعض العلماء خير من هذا ، وإن كان قد قال به قائل أيضا ، ولكن الاستمناء ضعيف في الدليل عار بالرجل الدنيء فكيف بالرجل الكبير .
قوله تعالى : إلا على أزواجهم قال الفراء : أي من أزواجهم اللاتي أحل الله لهم لا يجاوزون . أو ما ملكت أيمانهم في موضع خفض معطوفة على أزواجهم و ما مصدرية . وهذا يقتضي تحريم الزنا وما قلناه من الاستنماء ونكاح المتعة ؛ لأن المتمتع بها لا تجري مجرى الزوجات ، لا ترث ولا تورث ، ولا يلحق به ولدها ، ولا يخرج من نكاحها بطلاق يستأنف لها ، وإنما يخرج بانقضاء المدة التي عقدت عليها وصارت كالمستأجرة . ابن العربي : إن قلنا إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل ينطلق عليها اسم الزوجية . وإن قلنا بالحق الذي أجمعت عليه الأمة من تحريم نكاح المتعة لما كانت زوجة فلم تدخل في الآية .
قلت : وفائدة هذا الخلاف هل يجب الحد ولا يلحق الولد كالزنى الصريح أو يدفع الحد للشبهة ويلحق الولد ؟ قولان لأصحابنا . وقد كان للمتعة في التحليل والتحريم أحوال ؛ فمن ذلك أنها كانت مباحة ثم حرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن خيبر ، ثم حللها في غزاة الفتح ؛ ثم حرمها بعد ؛ قاله ابن خويز منداد من أصحابنا وغيره ، وإليه أشار ابن العربي . وقد مضى في ( النساء ) القول فيها مستوفى .