قوله تعالى : فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : ( فأنشأنا ) أي جعلنا ذلك سبب النبات ، وأوجدناه به وخلقناه .
وذكر تعالى النخيل والأعناب لأنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما ؛ قاله الطبري . ولأنها أيضا أشرف الثمار ، فذكرها تشريفا لها وتنبيها عليها . لكم فيها أي في الجنات . ( فواكه ) من غير الرطب والعنب . ويحتمل أن يعود على النخيل والأعناب خاصة إذ فيها مراتب وأنواع ؛ والأول أعم لسائر الثمرات .
الثانية : من حلف ألا يأكل فاكهة ؛ في الرواية عندنا يحنث بالباقلاء الخضراء وما أشبهها . وقال أبو حنيفة : لا يحنث بأكل القثاء ، والخيار ، والجزر ، لأنها من البقول لا من الفاكهة . وكذلك الجوز ، واللوز ، والفستق ؛ لأن هذه الأشياء لا تعد من الفاكهة ، وإن أكل تفاحا ، أو خوخا ، أو مشمشا ، أو تينا ، أو إجاصا يحنث . وكذلك البطيخ ؛ لأن هذه الأشياء كلها تؤكل على جهة التفكه قبل الطعام وبعده ؛ فكانت فاكهة . وكذلك يابس هذه الأشياء إلا البطيخ اليابس لأن ذلك لا يؤكل إلا في بعض البلدان . ولا يحنث بأكل البطيخ الهندي لأنه لا يعد من الفواكه . وإن أكل عنبا ، أو رمانا ، أو رطبا لا يحنث . وخالفه صاحباه فقالا يحنث ؛ لأن هذه الأشياء من أعز الفواكه ، وتؤكل على وجه التنعم . والإفراد لها بالذكر في كتاب الله عز و جل لكمال معانيها ؛ كتخصيص جبريل ، وميكائيل من الملائكة . واحتج أبو حنيفة بأن قال : عطف هذه الأشياء على الفاكهة مرة فقال فيهما فاكهة ونخل ورمان ومرة عطف الفاكهة على هذه الأشياء فقال : وفاكهة وأبا والمعطوف غير المعطوف عليه ، ولا يليق بالحكمة ذكر الشيء الواحد بلفظين مختلفين في موضع المنة . والعنب والرمان يكتفى بهما في بعض البلدان فلا يكون فاكهة ؛ ولأن ما كان فاكهة لا فرق بين رطبه ويابسه ، ويابس هذه الأشياء لا يعد فاكهة فكذلك رطبها .