علمنا الله سبحانه ما نقول إذا ركبنا الدواب ، وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح - عليه السلام - ما نقول إذا ركبنا السفن ، وهي قوله تعالى : وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك . وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا . فلما كان الركوب مباشرة أمرا محظورا واتصالا بأسباب من أسباب التلف أمر ألا ينسى عند اتصاله به يومه ، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى الله - عز وجل - غير منفلت من قضائه . ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه . والحذر من أن يكون ركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه . حكى سليمان بن يسار أن قوما كانوا في سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وكان فيهم رجل على ناقة له رازم - وهي التي لا تتحرك هزالا - الرازم من الإبل : الثابت على الأرض لا يقوم من الهزال . أو قد رزمت الناقة ترزم وترزم رزوما ورزاما : قامت من الإعياء والهزال فلم تتحرك ، فهي رازم . قاله الجوهري في الصحاح . فقال : أما أنا فإني لهذه لمقرن ، قال : فقمصت به فدقت عنقه . وروي أن أعرابيا ركب قعودا له وقال إني لمقرن له فركضت به القعود حتى صرعته فاندقت عنقه . ذكر الأول الماوردي والثاني ابن العربي . قال : وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان ، فيقول متى ركب وخاصة في السفر إذا تذكر : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل والمال ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والجور بعد الكور ، وسوء المنظر في الأهل والمال ، يعني ب ( الجور بعد الكور ) تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه . وقال عمرو بن دينار : ركبت مع أبي جعفر إلى أرض له نحو حائط يقال لها مدركة ، فركب على جمل صعب فقلت له : أبا جعفر ! أما تخاف أن يصرعك ؟ فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : على سنام كل بعير شيطان إذا ركبتموها فاذكروا اسم الله كما أمركم ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله . وقال علي بن ربيعة : شهدت علي بن أبي طالب ركب دابة يوما فلما وضع رجله في الركاب قال : باسم الله ، فلما استوى على الدابة قال الحمد لله ، ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم قال : الحمد لله والله أكبر - ثلاثا - اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك فقلت له : ما أضحكك ؟ قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت ، وقال كما قلت ، ثم ضحك فقلت له ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : العبد - أو قال - عجبا لعبد أن يقول اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره . خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، وأبو عبد الله محمد بن خويز منداد في أحكامه . وذكر الثعلبي نحوه مختصرا عن علي - رضي الله عنه - ، ولفظه عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا وضع رجله في الركاب قال : ( باسم الله - فإذا استوى قال - الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وإذا نزلتم من الفلك والأنعام فقولوا اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : من ركب ولم يقل سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين قال له الشيطان تغنه ، فإن لم يحسن قال له تمنه ، ذكره النحاس . ويستعيذ بالله من مقام من يقول لقرنائه : تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق ، فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف ، فلا يزالون يستقون حتى تمل طلاهم وهم على ظهور الدواب أو في بطون السفن وهي تجري بهم ، لا يذكرون إلا الشيطان ، ولا يمتثلون إلا أوامره . الزمخشري : ولقد بلغني أن بعض السلاطين ركب وهو يشرب الخمر من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر ، فلم يصح إلا بعد ما اطمأنت به الدار ، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به ، فكيف بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر به في هذه الآية ؟ !