قوله تعالى : وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون .
في قيله ثلاث قراءات : النصب ، والجر ، والرفع . فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة . وبقية السبعة بالنصب . وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب . فمن جر حمله على معنى : وعنده علم الساعة وعلم قيله . ومن نصب فعلى معنى : وعنده علم الساعة ويعلم قيله ، وهذا اختيار الزجاج . وقال الفراء والأخفش : يجوز أن يكون قيله عطفا على قوله : ( أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ) قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل ؟ فقال : أنصبه على ( وعنده علم الساعة ويعلم قيله ) فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على ( ترجعون ) ، ولا على ( يعلمون ) ويحسن الوقف على ( يكتبون ) وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى : لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله ، كما ذكرنا عنهما فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على ( يكتبون ) وأجاز الفراء والأخفش أيضا : أن ينصب على المصدر ، كأنه قال : وقال قيله ، وشكا شكواه إلى الله عز وجل ، كما قال كعب بن زهير :
تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
أراد : ويقولون قيلهم . ومن رفع ( قيله ) فالتقدير : وعنده قيله ، أو قيله مسموع ، أو قيله هذا القول . الزمخشري : والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم . وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه . والرفع على قولهم : أيمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك ، ويكون قوله : ( إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ) جواب القسم ، كأنه قال : وأقسم بقيله يا رب ، أو قيله يا رب قسمي ، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون . وقال ابن الأنباري : ويجوز في العربية ( وقيله ) الرفع ، على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون . المهدوي : أو يكون على تقدير وقيله قيله يا رب ، فحذف قيله الثاني الذي هو خبر ، وموضع يا رب نصب بالخبر المضمر ، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه ; لأن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور .
والهاء في ( قيله ) لعيسى ، وقيل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد جرى ذكره إذ قال : ( قل إن كان للرحمن ولد ) وقرأ أبو قلابة ( يا رب ) بفتح الباء . والقيل مصدر كالقول ، ومنه الخبر [ نهى عن قيل وقال ] . ويقال : قلت قولا وقيلا وقالا . وفي النساء ( ومن أصدق من الله قيلا ) .