تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الجاثية الأية 18


سورة Sura   الجاثية   Al-Jaathiya
قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)
الصفحة Page 500
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)

قوله تعالى : ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون .

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : ثم جعلناك على شريعة من الأمر الشريعة في اللغة : المذهب والملة . ويقال لمشرعة الماء - وهي مورد الشاربة - : شريعة . ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد . فالشريعة : ما شرع الله لعباده من الدين ، والجمع : الشرائع . والشرائع في الدين : المذاهب التي شرعها الله لخلقه . فمعنى : جعلناك على شريعة من الأمر أي : على منهاج واضح من أمر الدين يشرع بك إلى الحق . وقال ابن عباس : على شريعة أي : على هدى من الأمر . قتادة : الشريعة : الأمر والنهي والحدود والفرائض . مقاتل : البينة ; لأنها طريق إلى الحق . الكلبي : السنة ; لأنه يستن بطريقة من قبله من الأنبياء . ابن زيد : الدين ; لأنه طريق النجاة . قال ابن العربي : والأمر يرد في اللغة بمعنيين : أحدهما : بمعنى الشأن كقوله : فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد . والثاني : أحد أقسام الكلام الذي يقابله النهي . وكلاهما يصح أن يكون مرادا هاهنا ، وتقديره : ثم جعلناك على طريقة من الدين وهي ملة الإسلام ، كما قال تعالى : ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين .

ولا خلاف أن الله تعالى لم يغاير بين الشرائع في التوحيد والمكارم والمصالح ، وإنما خالف بينهما في الفروع حسبما علمه سبحانه .

الثاني : قال ابن العربي : ظن بعض من يتكلم في العلم أن هذه الآية دليل على أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا ; لأن الله تعالى أفرد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته في هذه الآية بشريعة ، ولا ننكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته منفردان بشريعة ، وإنما الخلاف فيما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء هل يلزم اتباعه أم لا .

قوله تعالى : ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون يعني المشركين . وقال ابن عباس : قريظة والنضير . وعنه : نزلت لما دعته قريش إلى دين آبائه .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022