تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الأنعام الأية 31


سورة Sura   الأنعام   Al-An'aam
بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ قَالَ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا ۚ قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)
الصفحة Page 131
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)

قوله تعالى : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون

قوله تعالى : قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله قيل : بالبعث بعد الموت وبالجزاء ; دليله قوله عليه السلام : من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان أي : لقي جزاءه ; لأن من غضب عليه لا يرى الله عند مثبتي الرؤية ، ذهب إلى هذا القفال وغيره ; قال القشيري : وهذا ليس بشيء ; لأن حمل اللقاء في موضع على الجزاء لدليل قائم لا يوجب هذا التأويل في كل موضع ، فليحمل اللقاء على ظاهره في هذه الآية ; والكفار كانوا ينكرون الصانع ، ومنكر الرؤية منكر للوجود !

قوله تعالى : حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة سميت القيامة بالساعة لسرعة الحساب فيها . ومعنى بغتة فجأة ; يقال : بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة . وهي نصب على الحال ، وهي عند سيبويه مصدر في موضع الحال ، كما تقول : قتلته صبرا ، وأنشد ( هو للشاعر زهير بن أبي سلمى ) :

فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا على ظهر محبوك ظماء مفاصله

ولا يجيز سيبويه أن يقاس عليه ; لا يقال : جاء فلان سرعة .

قوله تعالى : قالوا يا حسرتنا وقع النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة ، ولكنه يدل على كثرة التحسر ، ومثله يا للعجب ويا للرخاء وليسا بمناديين في الحقيقة ، ولكنه يدل على كثرة التعجب والرخاء . قال سيبويه : كأنه قال يا عجب تعال فهذا زمن إتيانك ، وكذلك قولك يا حسرتي أي : يا حسرتا تعالي فهذا وقتك ، وكذلك ما لا يصح نداؤه يجري هذا المجرى ، فهذا أبلغ من قولك تعجبت . ومنه قول الشاعر ( هو امرؤ القيس ) :

ويوم عقرت للعذارى مطيتي فيا عجبا من رحلها المتحمل

وقيل : هو تنبيه للناس على عظيم ما يحل بهم من الحسرة ; أي : يا أيها الناس تنبهوا على عظيم ما بي من الحسرة ، فوقع النداء على غير المنادى حقيقة ، كقولك : لا أرينك هاهنا . فيقع النهي على غير المنهي في الحقيقة .

قوله تعالى : على ما فرطنا فيها أي : في الساعة ، أي : في التقدمة لها ; عن الحسن . و فرطنا معناه ضيعنا وأصله التقدم ; يقال : فرط فلان أي : تقدم وسبق إلى الماء ، ومنه أنا فرطكم على الحوض . ومنه الفارط أي المتقدم للماء ، ومنه - في الدعاء للصبي - اللهم اجعله فرطا لأبويه ; فقولهم : فرطنا أي : قدمنا العجز . وقيل : فرطنا أي : جعلنا غيرنا الفارط السابق لنا إلى طاعة الله وتخلفنا . فيها أي : في الدنيا بترك العمل للساعة . وقال الطبري : ( الهاء ) راجعة إلى الصفقة ، وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر ، والآخرة بالدنيا ، قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها أي : في الصفقة ، وترك ذكرها لدلالة الكلام عليها ; لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع ; دليله قوله : فما ربحت تجارتهم . وقال السدي : على ما ضيعنا أي : من عمل الجنة . وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون : يا حسرتنا .

قوله تعالى : فيها وهم يحملون أوزارهم أي : ذنوبهم جمع وزر على ظهورهم مجاز وتوسع وتشبيه بمن يحمل ثقلا ; يقال منه : وزر يزر ، ووزر يوزر فهو وازر وموزور ; وأصله من الوزر وهو الجبل . ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة ارجعن موزورات غير مأجورات قال أبو عبيد : والعامة تقول : ( مأزورات ) كأنه لا وجه له عنده ; لأنه من الوزر . قال أبو عبيد : ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي : ثقلك . ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية : والمعنى أنهم لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها . ألا ساء ما يزرون أي : ما أسوأ الشيء الذي يحملونه .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022