وبعد أن ذكر- سبحانه- صفات هؤلاء الأوفياء، وما أعد لهم من ثواب جزيل، أتبع ذلك ببيان سوء عاقبة الناقضين لعهودهم، القاطعين لما أمر الله بوصله. المفسدين في الأرض فقال- تعالى-: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ.
ونقض العهد: إبطاله وعدم الوفاء به.
وقوله: مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ زيادة في تشنيع النقض. أى: ينقضون عهد الله تعالى ولا يوفون به. من بعد أن أكدوا التزامهم به وقبولهم له.
وقوله: وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ أى: ويقطعون كل ما أوجب الله- تعالى- وصله، ويدخل فيه وصل الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع والموالاة، ووصل المؤمنين بالمعاونة، والمحبة، ووصل أولى الأرحام بالمودة والتعاطف، فالجملة الكريمة بيان لحال هؤلاء الأشقياء بأنهم كانوا على الضد من أولئك الأوفياء الأخيار الذين كانوا يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
وقوله: وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بيان لصفة ثالثة من صفاتهم القبيحة.
أى: أنهم كانوا يفسدون في الأرض عن طريق حربهم لدعوة الحق، واعتدائهم على المؤمنين، وغير ذلك من الأمور التي كانوا يقترفونها مع أن الله- تعالى- قد حرمها ونهى عنها.
وقوله- تعالى-: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ إخبار عن العذاب الشديد الذي يلقونه في آخرتهم. أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الذميمة لَهُمُ من الله- تعالى- «اللعنة» والطرد من رحمته.
وَلَهُمْ فوق ذلك، الدار السيئة وهي جهنم التي ليس فيها إلا ما يسوء الصائر إليها.