ثم حكى- سبحانه- ما قاله إبراهيم للملائكة بعد أن بشروه بهذا الغلام العليم، فقال- تعالى- قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ.
والاستفهام للتعجب. كأنه عجب من أن يرزقه الله- تعالى- بغلام عليم بعد أن مسه الكبر، وبلغ سن الشيخوخة.
و «على» بمعنى مع، والمس: اتصال شيء بآخر على وجه الإحساس والإصابة.
أى: قال إبراهيم للملائكة، بعد أن بشروه بالولد، أبشرتمونى بذلك مع أن الكبر قد أصابنى، والشيخوخة قد اعترتني فبأى شيء عجيب قد بشرتموني.
وتعجب إبراهيم إنما هو من كمال قدرة الله- تعالى- ونفاذ أمره، حيث وهبه هذا الغلام في تلك السن المتقدمة بالنسبة له ولامرأته، والتي جرت العادة أن لا يكون معها إنجاب الأولاد.
وقد حكى القرآن هذا التعجب على لسان امرأة إبراهيم في قوله- تعالى- قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.. .
قال الإمام الرازي ما ملخصه: والسبب في هذا الاستفهام أن العادة جارية بأنه لا يحصل الولد حال الشيخوخة التامة ...
وهناك جواب آخر، وهو أن الإنسان إذا كان عظيم الرغبة في شيء، وفاته الوقت الذي يغلب على ظنه حصول ذلك المراد فيه، فإذا بشر بعد ذلك بحصوله ازداد فرحه وسروره، ويصير ذلك الفرح القوى كالمدهش له وربما يجعله هذا الفرح يعيد السؤال ليسمع تلك البشارة مرة أخرى، طلبا للالتذاذ بسماعها ... » .