ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة أصحاب الأيكة لزيادة العظات والعبر، فقال- تعالى-: وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ. فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ وإِنْ هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن المحذوف.
وأصحاب الأيكة، هم قوم شعيب- عليه السلام-، والأيك الشجر الكثير الملتف واحدته أيكة- كتمر وتمره-.
والمراد بها البقعة الكثيرة الأشجار التي كانت فيها مساكنهم، قرب مدين قرية شعيب- عليه السلام-.
وجمهور العلماء على أن أهل مدين وأصحاب الأيكة قبيلة واحدة، وأرسل الله- تعالى- إليهم جميعا شعيبا- عليه السلام- لأمرهم بإخلاص العبادة لله- تعالى-، ونهيهم عن تطفيف الكبل والميزان، وعن قطع الطريق ...
وكانوا جميعا يسكنون في المنطقة التي تسمى بمعّان، على حدود الحجاز والشام، أو أن بعضهم كان يسكن الحاضرة وهم أهل مدين، والبعض الآخر كان يسكن في البوادي المجاورة لها والمليئة بالأشجار.
وقيل: إن شعيبا- عليه السلام- أرسل إلى أمتين: أهل مدين، وأصحاب الأيكة، وهذه خصوصية له- عليه السلام-.
وعلى أية حال فالعلماء متفقون على أن أصحاب الأيكة هم قوم شعيب- عليه السلام-.
والإمام: الطريق الواضح المعالم. وسمى الطريق إماما لأن المسافر يأتم به، ويهتدى بمسالكه، حتى يصل إلى الموضع الذي يريده.
والمعنى: وإن الشأن والحال أن أصحاب الأيكة كانوا ظالمين متجاوزين لكل حد، فاقتضت عدالتنا أن ننتقم منهم، بسبب كفرهم وفجورهم.
وَإِنَّهُما أى مساكن قوم لوط، ومساكن قوم شعيب لَبِإِمامٍ مُبِينٍ أى: لبطريق واضح يأتم به أهل مكة في سفرهم من بلادهم إلى بلاد الشام.
قال ابن كثير: وقد كانوا- أى أصحاب الأيكة- قريبا من قوم لوط، بعدهم في الزمان، ومسامتين لهم في المكان، ولهذا لما أنذر شعيب قومه قال في إنذاره لهم وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ .