ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يتحدى هؤلاء المشركين، وأن يوبخهم على عنادهم وجحودهم فقال: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ....
أى: قل- أيها الرسول الكريم- على سبيل التبكيت والتأنيب لهؤلاء المشركين.
أخبرونى وأنبئونى عن حال شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، ماذا فعلوا لكم من خير أو شر، وأرونى أى جزء خلقوه من الأرض حتى استحقوا منكم الألوهية والشركة مع الله- تعالى- في العبادة؟
إنهم لم يفعلوا- ولن يفعلوا- شيئا من ذلك، فكيف أبحتم لأنفسكم عبادتهم؟
وقوله أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ تبكيت آخر لهم. أى: وقل لهم: إذا كانوا لم يخلقوا شيئا من الأرض، فهل لهم معنا شركة في خلق السموات أو في التصرف فيها، حتى يستحقوا لذلك مشاركتنا في العبادة والطاعة.
وقوله: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ تبكيت ثالث لهم. أى: وقل لهم إذا كانوا لم يخلقوا شيئا من الأرض، ولم يشاركونا في خلق السموات، فهل نحن أنزلنا عليهم كتابا أقررنا لهم فيه بمشاركتنا، فتكون لهم الحجة الظاهرة البينة على صدق ما يدعون؟
والاستفهام في جميع أجزاء الآية الكريمة للإنكار والتوبيخ.
والمقصود بها قطع كل حجة يتذرعون بها في شركهم، وإزهاق باطلهم بألوان من الأدلة الواضحة التي تثبت جهالاتهم، حيث أشركوا مع الله- تعالى- ما لا يضر ولا ينفع، وما لا يوجد دليل أو ما يشبه الدليل على صحة ما ذهبوا إليه من كفر وشرك.
ولذا ختمت الآية الكريمة بالإضراب عن أوهامهم وبيان الأسباب التي حملتهم على الشرك، فقال- تعالى-: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً.
أى: أن هؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئا لا من الأرض ولا من السماء، ولم نؤتهم كتابا بأنهم شركاء لنا في شيء، بل الحق أن الظالمين يخدع بعضهم بعضا، ويعد بعضهم بعضا بالوعود الباطلة، بأن يقول الزعماء لأتباعهم: إن هؤلاء الآلهة هم شفعاؤنا عند الله، وأننا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فيترتب على قولهم هذا، أن ينساق الأتباع وراءهم كما تنساق الأنعام وراء راعيها.