ثم بين- سبحانه- أنه لم يخلق هذا الكون عبثا، فقال: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى....
وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ استثناء مفرغ من أهم الأحوال، وهو صفة لمصدر محذوف، وقوله: وَأَجَلٍ مُسَمًّى معطوف على «الحق» والكلام على تقدير مضاف محذوف.
أى: ما خلقنا هذا الكون بسمائه وأرضه وما بينهما من مخلوقات لا يعلمها إلا الله، ما خلقنا كل ذلك إلا خلقا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل وبالحكمة التي اقتضتها إرادتنا ومشيئتنا..
وما خلقنا كل ذلك- أيضا- إلا بتقدير أجل معين، هو يوم القيامة الذي تفنى عنده جميع المخلوقات.
فالمراد بالأجل المسمى: يوم القيامة الذي ينتهى عنده آجال الناس، ويقفون بين يدي الله- تعال- للحساب والجزاء.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا. ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ .
وقوله- سبحانه-: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ ..
ثم بين- سبحانه- موقف المشركين من خالقهم فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ والإنذار: الإعلام المقترن بتهديد، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذار.
و «ما» في قوله: عَمَّا أُنْذِرُوا يصح أن تكون موصولة والعائد محذوف، ويصح أن تكون مصدرية.
والإعراض عن الشيء: الصدود عنه، وعدم الإقبال عليه، وأصله من العرض- بضم العين- وهو الجانب، لأن المعرض عن الشيء يعطيه جانب عنقه، مبتعدا عنه.
أى: نحن الذين خلقنا بقدرتنا وحكمتنا، السموات والأرض وما بينهما، بالحق الذي اقتضته مشيئتنا، وبتقدير أمد معين، عند انتهائه «تبدل الأرض غير الأرض والسموات..»
ومع كل هذه الدلائل الساطعة الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، فالذين كفروا بالحق، عن الذي أنذروه من الحساب والجزاء معرضون، وفي طغيانهم يعمهون..
فالآية الكريمة قد وضحت أن هذا الكون لم يخلقه الله- تعالى- عبثا، وأن لهذا الكون نهاية ينتهى عندها، وأن الكافرين- لجهلهم وعنادهم- لم يستجيبوا لمن دعاهم إلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار، ولم يستعدوا لاستقبال يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح.