ومنهم من يرى أن قوله - تعالى - : ( لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ) صفة أخرى للقرآن الكريم ، فيكون المعنى : إن هذا القرآن الكريم . لا يصح أن يمسه إلا المطهرون من الناس ، عن الحدث الأصغر ، والحدث الأكبر ، فيكون المراد بالطهارة : الطهارة الشرعية . .
وقد رجح العلماء الرأى الأول الذى يرى أصحابه أن قوله - تعالى - : ( لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ) صفة للوح المحفوظ المعبر عنه بأنه كتاب مكنون ، وأم المراد بالمطهرين : الملائكة المقربون . . .
وقالوا فى تأييد ما ذهبوا إليه : إن الآيات مسوقة لتنزيه القرآن عن أن تنزل به الشياطين ، وأنه فى مكان مأمون لا يصل إليه إلا الملائكة المقربون .
والآيات - أيضا - مكية ، والقرآن المكى أكثر اهتمامه كان موجها إلى إبطال شبهات المشركين ، وليس إلى الأحكام الفرعية ، التى تحدث عنها القرآن المدنى كثيرا .
كذلك قالوا : إن وصف الكتاب بأنه ( مَّكْنُونٍ ) يدل على شدة الصون والستر عن الأعين ، بحيث لا تناله أيدى البشر ، وهذا لا ينطبق إلا على اللوح المحفوظ ، أما القرآن فيمسه المؤمن وغير المؤمن .
قال الإمام القرطبى ما ملخصه قوله : ( لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ) اختلف فى معنى ( لاَّ يَمَسُّهُ ) هل هو حقيقة فى المس بالجارحة أو معنى؟ وكذلك اختلف فى ( المطهرون ) من هم؟ .
فقال أنس وسعيد بن جبير : لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة . .
وقيل المراد بالكتاب : المصحف الذى بأيدينا ، وهو الأظهر ، وقد روى مالك وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فى كتابه الذى كتبه إلى شرحبيل بن كلال . . . " ألا يمس القرآن إلا طاهر " .
وقال أخت عمر لعمر عن إسلامه : ( لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ) فقام واغتسل . ثم أخذ الصحيفة التى بيدها ، وفيها القرآن .
ثم قال : اختلف العلماء فى مس المصحف على غيره وضوء : فالجمهور على المنع .
.
وفى مس الصبيان إياه على وجهين : أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ والثانى الجواز ، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن . لأن تعلمه حال الصغر ، ولأن الصبى وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة ، لأن النية لا تصح منه ، فإذا جاز أن يحمله على طهارة ، جاز أن يحمله محدثا .