تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  الواقعة الأية 79


سورة Sura   الواقعة   Al-Waaqia
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
الحديد Al-Hadid
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
الصفحة Page 537
لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)

قوله تعالى : لا يمسه إلا المطهرون اختلف في معنى لا يمسه هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى ؟ وكذلك اختلف في المطهرون من هم ؟ فقال أنس وسعيد وابن جبير : لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة . وكذا قال أبو العالية وابن زيد : إنهم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم ، فجبريل النازل به مطهر ، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون . الكلبي : هم السفرة الكرام البررة . وهذا كله قول واحد ، وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال : أحسن ما سمعت في قوله : لا يمسه إلا المطهرون أنها بمنزلة الآية التي في ( عبس وتولى ) : فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وصفوا بالطهارة في سورة ( عبس ) . وقيل : معنى لا يمسه لا ينزل به إلا المطهرون أي : الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء . وقيل : لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون . وقيل : إن إسرافيل هو الموكل بذلك ؛ حكاه القشيري . ابن العربي : وهذا باطل لأن الملائكة لا تناله في وقت ولا تصل إليه بحال ، ولو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه مجال . وأما من قال : إنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل ، وهو اختيار مالك . وقيل : المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر . وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته : من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد وكان في كتابه : ألا يمس القرآن إلا طاهر . وقال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر . وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة : لا يمسه إلا المطهرون فقام واغتسل وأسلم . وقد مضى في أول سورة ( طه ) . وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره : لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس . الكلبي : من الشرك . الربيع بن أنس : من الذنوب والخطايا . وقيل : معنى لا يمسه لا يقرؤه إلا المطهرون إلا الموحدون ؛ قاله محمد بن فضيل وعبدة . قال عكرمة : كان ابن عباس ينهى أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن ، وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه وبركته إلا المطهرون ، أي : المؤمنون بالقرآن . ابن العربي : وهو اختيار البخاري ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا . وقال الحسين بن الفضل : لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق . وقال أبو بكر الوراق : لا يوفق للعمل به إلا السعداء . وقيل : المعنى لا يمس ثوابه إلا المؤمنون . ورواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قيل : ظاهر الآية خبر عن الشرع ، أي : لا يمسه إلا المطهرون شرعا ، فإن وجد خلاف ذلك فهو غير الشرع ، وهذا اختيار القاضي أبي بكر بن العربي . وأبطل أن يكون لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( البقرة ) . المهدوي : يجوز أن يكون أمرا وتكون ضمة السين ضمة إعراب . ويجوز أن يكون نهيا وتكون ضمة بناء السين ضمة بناء والفعل مجزوم .

واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء ، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم . وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد ، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي . واختلفت الرواية عن أبي حنيفة ، فروي عنه أنه يمسه المحدث ، وقد روي هذا عن جماعة من السلف منهم ابن عباس والشعبي وغيرهما . وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه ، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر . ابن العربي : وهذا إن سلمه مما يقوي الحجة عليه ، لأن حريم الممنوع ممنوع . وفيما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أقوى دليل عليه . وقال مالك : لا يحمله غير طاهر بعلاقة ولا على وسادة . وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك . ولم يمنع من حمله بعلاقة أو مسه بحائل . وقد روي عن الحكم وحماد وداود بن علي أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا ، إلا أن داود قال : لا يجوز للمشرك حمله . واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ، وهو موضع ضرورة فلا حجة فيه . وفي مس الصبيان إياه على وجهين ، أحدهما : المنع اعتبارا بالبالغ . والثاني : الجواز ، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن ؛ لأن تعلمه حال الصغر ؛ ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة ، لأن النية لا تصح منه ، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022