وما في قوله- تعالى- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ نافية، ومِنْ مزيدة لتأكيد هذا النفي وإفادة عمومه. ومفعول «أصاب» محذوف. وقوله فِي الْأَرْضِ، إشارة إلى المصائب التي تقع فيها من فقر وقحط، وزلازل.
وقوله: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ للإشارة إلى ما يصيب الإنسان في ذاته، كالأمراض، والهموم.
والاستثناء في قوله- تعالى- إِلَّا فِي كِتابٍ من أعم الأحوال، والمراد بالكتاب:
اللوح المحفوظ، أو علمه- عز وجل- الشامل لكل شيء.
وقوله: نَبْرَأَها من البرء- بفتح الباء- بمعنى الخلق والإيجاد، والضمير فيه يعود إلى النفس، أو إلى الأرض، أو إلى جميع ما ذكره الله- تعالى- من خلق المصائب في الأرض والأنفس.
والمعنى: واعلموا- أيها المؤمنون علما يترتب عليه آثاره من العمل الصالح- أنه ما أصابكم أو ما أصاب أحدا مصيبة، هذه المصيبة كائنة في الأرض- كالقحط والزلازل- أو في أنفسكم- كالأسقام والأوجاع- إلا وهذه المصائب مسجلة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ... وهذا التسجيل كائن من قبل أن نخلق هذه الأنفس، وهذه المصائب.
وكرر- سبحانه- حرف النفي في قوله وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ للإيماء إلى أن المصائب التي تتعلق بذات الإنسان، يكون أشد تأثرا واهتماما بها، أكثر من غيرها.
واسم الإشارة في قوله: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ يعود إلى الكتابة في الكتاب.
أى: إن ذلك الذي أثبتناه في لوحنا المحفوظ وفي علمنا الشامل لكل شيء.. قبل أن نخلقكم، وقبل أن نخلق الأرض.. يسير وسهل علينا، لأن قدرتنا لا يعجزها شيء، وعلمنا لا يعزب عنه شيء.
فالآية الكريمة صريحة في بيان أن ما يقع في الأرض وفي الأنفس من مصائب- ومن غيرها من مسرات- مكتوب ومسجل عند الله- تعالى- قبل خلق الأرض والأنفس.
وخص- سبحانه- المصائب بالذكر، لأن الإنسان يضطرب لوقوعها اضطرابا شديدا، وكثيرا ما يكون إحساسه بها، وإدراكه لأثرها، أشد من إحساسه وإدراكه للمسرات.
ومن الآيات التي تشبه هذه الآية في معناها قوله- تعالى-: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا، هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ .