والفاء في قوله: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ للإفصاح. وعدى فعل الصبر باللام، لتضمنه معنى الخضوع والاستسلام لقضائه- سبحانه-.
أى: ما دام الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- فاصبر لحكم ربك، واخضع لقضائه ومشيئته، فهو- سبحانه- الكفيل بنصرك عليهم.
وقوله: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً أى: ولا تطع- أيها الرسول الكريم- من هؤلاء المشركين، من كان داعيا إلى الإثم والفجور، أو من كان داعيا إلى الكفر والجحود.
ولم يقل- سبحانه- ولا تطع منهم آثما وكفورا بالواو، لأن الواو تجعل الكلام محتملا للنهى عن المجموع، وأن طاعة أحدهما دون الآخر تكفى في الامتثال.
ولذا قال الزجاج: إن «أو» هنا أوكد من الواو، لأنك إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا، فأطاع أحدهما كان غير عاص، فإن أبدلتها بأو، فقد دللت على أن كل واحد منهما، أهل لأن يعصى، ويعلم منه النهى عن إطاعتهما معا .
والآثم: هو الفاجر بأقواله وأفعاله. والكفور: هو الجاحد بقلبه ولسانه.
ورحم الله صاحب الكشاف، فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين ما ملخصه: تكرير الضمير بعد إيقاعه اسما لإنّ: تأكيد على تأكيد، لمعنى اختصاص الله- تعالى- بالتنزيل، ليتقرر في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان هو المنزل للقرآن، لم يكن تنزيله على أى وجه نزل، إلا حكمة وصوابا، كأنه قيل: ما نزل عليك القرآن تنزيلا مفرقا منجما، إلا أنا لا غيرى، وقد عرفتني حكيما فاعلا لكل ما أفعله.
فإن قلت: كلهم كانوا كفرة، فما معنى القسمة في قوله: آثِماً أَوْ كَفُوراً؟ قلت:
معناه لا تطع منهم راكبا لما هو إثم، داعيا لك إليه، أو فاعلا لما هو كفر، داعيا لك إليه.
لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل إثم أو كفر، أو غير إثم ولا كفر: فنهى عن أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث. فإن قلت: معنى أو: ولا تطع أحدهما، فهلا جيء بالواو وليكون نهيا عن طاعتهما جميعا؟
قلت: لو قيل: ولا تطعهما، جاز أن يطيع أحدهما، وإذا قيل: لا تطع أحدهما، علم أن الناهي عن طاعة أحدهما: عن طاعتهما جميعا أنهى، كما إذا نهى عن أن يقول لأبويه أف، علم أنه منهى عن ضربهما بالطريق الأولى...
والمقصود من هاتين الآيتين تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتيئيس المشركين من استجابته صلى الله عليه وسلم لأى مطلب من مطالبهم الفاسدة.