قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا
قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل هذا تنبيه على عظم قدر يوم القيامة ، أي قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل بر عند أنفسهم . يقال : قدم فلان إلى أمر كذا أي قصده . وقال مجاهد : قدمناه أي عمدنا . وقال الراجز :
وقدم الخوارج الضلال إلى عباد ربهم فقالوا
إن دماءكم لنا حلال
وقيل : هو قدوم الملائكة ، أخبر به عن نفسه ، تعالى فاعله . فجعلناه هباء منثورا أي لا ينتفع به ، أي أبطلناه بالكفر . وليس هباء من ذوات الهمز وإنما همزت لالتقاء الساكنين . والتصغير هبي في موضع الرفع ، ومن النحويين من يقول : هبيب في موضع الرفع ; حكاه النحاس . وواحده هباة والجمع أهباء . قال الحارث بن حلزة يصف ناقة :
فترى خلفها من الرجع والوق ع منينا كأنه أهباء
وروى الحرث عن علي قال : الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة . وقال الأزهري : الهباء ما يخرج من الكوة في ضوء الشمس شبيه بالغبار . تأويله : إن الله تعالى أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور . فأما الهباء المنبث . فهو ما تثيره الخيل بسنابكها من الغبار . والمنبث المتفرق . وقال ابن عرفة : الهبوة والهباء التراب الدقيق . الجوهري : ويقال له إذا ارتفع هبا يهبو هبوا وأهبيته أنا . والهبوة الغبرة . قال رؤبة :
تبدو لنا أعلامه بعد الغرق في قطع الآل وهبوات الدقق
وموضع هابي التراب ، أي كأن ترابه مثل الهباء في الرقة . وقيل : إنه ما ذرته الرياح من يابس أوراق الشجر ، قاله قتادة وابن عباس . وقال ابن عباس أيضا : إنه الماء المهراق . وقيل : إنه الرماد ; قاله عبيد بن يعلى .