قال إني أريد أن أنكحك الآية . فيه عرض الولي بنته على الرجل ; وهذه سنة قائمة ; عرض صالح مدين ابنته على صالح بني إسرائيل ، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان ، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ; فمن الحسن عرض الرجل وليته ، والمرأة نفسها على الرجل الصالح ، اقتداء بالسلف الصالح . قال ابن عمر : لما تأيمت حفصة قال عمر لعثمان : إن شئت أنكحك حفصة بنت عمر ; الحديث انفرد بإخراجه البخاري .
وفي هذه الآية دليل على أن النكاح إلى الولي لا حظ للمرأة فيه ، لأن صالح مدين تولاه ، وبه قال فقهاء الأمصار ، وخالف في ذلك أبو حنيفة وقد مضى .
الثامنة : هذه الآية تدل على أن للأب أن يزوج ابنته البكر البالغ من غير استئمار ، وبه قال مالك واحتج بهذه الآية ، وهو ظاهر قوي في الباب ، واحتجاجه بها يدل على أنه كان يعول على الإسرائيليات ; كما تقدم . وبقول مالك في هذه المسألة قال الشافعي وكثير من العلماء ، وقال أبو حنيفة : إذا بلغت الصغيرة فلا يزوجها أحد إلا برضاها ; لأنها بلغت حد التكليف ، فأما إذا كانت صغيرة فإنه يزوجها بغير رضاها ; لأنه لا إذن لها ولا رضا بغير خلاف .
استدل أصحاب الشافعي بقوله : إني أريد أن أنكحك على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح . وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود ومالك على اختلاف عنه . وقال علماؤنا في المشهور : ينعقد النكاح بكل لفظ ، وقال أبو حنيفة : ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد ; أما الشافعية فلا حجة لهم في الآية لأنه شرع من قبلنا وهم لا يرونه حجة في شيء في المشهور عندهم . وأما أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي فقالوا : ينعقد النكاح بلفظ الهبة وغيره إذا كان قد أشهد عليه ; لأن الطلاق يقع بالصريح والكناية ، قالوا : فكذلك النكاح . قالوا : والذي خص به النبي صلى الله عليه وسلم تعري البضع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة ، وتابعهم ابن القاسم فقال : إن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظ عن مالك فيه شيئا ، وهو عندي جائز كالبيع . قال أبو عمر : الصحيح أنه لا ينعقد نكاح بلفظ الهبة ، كما لا ينعقد بلفظ النكاح هبة شيء من الأموال . وأيضا فإن النكاح مفتقر إلى التصريح لتقع الشهادة عليه ، وهو ضد الطلاق ، فكيف يقاس عليه ، وقد أجمعوا أن النكاح لا ينعقد بقول : أبحت لك وأحللت لك . فكذلك الهبة وقال صلى الله عليه وسلم : استحللتم فروجهن بكلمة الله يعني القرآن ، وليس في القرآن عقد النكاح بلفظ الهبة ، وإنما فيه التزويج والنكاح ، وفي إجازة النكاح بلفظ الهبة إبطال بعض خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : إحدى ابنتي هاتين يدل على أنه عرض لا عقد ، لأنه لو كان عقدا لعين المعقود عليها له ; لأن العلماء إن كانوا قد اختلفوا في جواز البيع إذا قال : بعتك أحد عبدي هذين بثمن كذا ; فإنهم اتفقوا على أن ذلك لا يجوز في النكاح ; لأنه خيار وشيء من الخيار لا يلصق بالنكاح .
قال مكي : في هذه الآية خصائص في النكاح ، منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمد ، وجعل المهر إجارة ، ودخل ولم ينقد شيئا .
قلت : فهذه أربع مسائل تضمنتها المسألة الحادية عشرة : الأولى من الأربع مسائل : التعيين ، قال علماؤنا : أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة ، وإنما عرض الأمر مجملا ، وعين بعد ذلك وقد قيل : إنه زوجه صفوريا وهي الصغرى ، يروى عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن سئلت : أي الأجلين قضى موسى فقل : خيرهما وأوفاهما وإن سئلت : أي المرأتين تزوج ؟ فقل : الصغرى وهي التي جاءت خلفه وهي التي قالت : يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين . قيل : إن الحكمة في تزويجه الصغرى منه قبل الكبرى وإن كانت الكبرى أحوج إلى الرجال أنه توقع أن يميل إليها ; لأنه رآها في رسالته ، وماشاها في إقباله إلى أبيها معها ، فلو عرض عليه الكبرى ربما أظهر له الاختيار وهو يضمر غيره . وقيل غير هذا ; والله أعلم . وفي بعض الأخبار أنه تزوج بالكبرى ; حكاه القشيري .
وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه ; فإما رسماه ، وإلا فهو من أول وقت العقد .
وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية ، وهو أمر قد قرره شرعنا ، وجرى في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن ; رواه الأئمة ; وفي بعض طرقه : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تحفظ من القرآن فقال : سورة البقرة والتي تليها . قال : فعلمها عشرين آية وهي امرأتك واختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فكرهه مالك ، ومنعه ابن القاسم ، وأجازه ابن حبيب ; وهو قول الشافعي وأصحابه ; قالوا : يجوز أن تكون منفعة الحر صداقا كالخياطة والبناء وتعليم القرآن وقال أبو حنيفة : لا يصح ، وجوز أن يتزوجها بأن يخدمها عبده سنة ، أو يسكنها داره سنة ; لأن العبد والدار مال ، وليس خدمتها بنفسه مالا . وقال أبو الحسن الكرخي : إن عقد النكاح بلفظ الإجارة جائز ; لقوله تعالى : فآتوهن أجورهن . وقال أبو بكر الرازي : لا يصح لأن الإجارة عقد مؤقت ، وعقد النكاح مؤبد ، فهما متنافيان . وقال ابن القاسم : ينفسخ قبل البناء ويثبت بعده . وقال أصبغ : إن نقد معه شيئا ففيه اختلاف ، وإن لم ينقد فهو أشد ، فإن ترك مضى على كل حال ، بدليل قصة شعيب ; قاله مالك وابن المواز وأشهب وعول على هذه الآية جماعة من المتأخرين والمتقدمين في هذه النازلة ; قال ابن خويز منداد تضمنت هذه الآية النكاح على الإجارة والعقد صحيح ، ويكره أن تجعل الإجارة مهرا ، وينبغي أن يكون المهر مالا كما قال عز وجل : أن تبتغوا بأموالكم محصنين هذا قول أصحابنا جميعا .
وأما قوله : ودخل ولم ينقد . فقد اختلف الناس في هذا ; هل دخل حين عقد أم حين سافر ، فإن كان حين عقد فماذا نقد ؟ وقد منع علماؤنا من الدخول حتى ينقد ولو ربع دينار ; قاله ابن القاسم فإن دخل قبل أن ينقد مضى ، لأن المتأخرين من أصحابنا قالوا : تعجيل الصداق أو شيء منه مستحب ، على أنه إن كان الصداق رعية الغنم فقد نقد الشروع في الخدمة ; وإن كان دخل حين سافر فطول الانتظار في النكاح جائز إن كان مدى العمر بغير شرط ، وأما إن كان بشرط فلا يجوز إلا أن يكون الغرض صحيحا مثل التأهب للبناء أو انتظار صلاحية الزوجة للدخول إن كانت صغيرة ; نص عليه علماؤنا .
في هذه الآية اجتماع إجارة ونكاح ، وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال : الأول : قال في ثمانية أبي زيد : يكره ابتداء ، فإن وقع مضى . الثاني : قال مالك وابن القاسم في المشهور : لا يجوز ويفسخ قبل الدخول وبعده ; لاختلاف مقاصدهما كسائر العقود المتباينة . الثالث : أجازه أشهب وأصبغ قال ابن العربي : وهذا هو الصحيح وعليه تدل الآية ; وقد قال مالك النكاح أشبه شيء بالبيوع ، فأي فرق بين إجارة وبيع أو بين بيع ونكاح .
فرع : وإن أصدقها تعليم شعر مباح صح ; قال المزني : وذلك مثل قول الشاعر :
يقول العبد فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا
وإن أصدقها تعليم شعر فيه هجو أو فحش كان كما لو أصدقها خمرا أو خنزيرا .
قوله تعالى : على أن تأجرني ثماني حجج جرى ذكر الخدمة مطلقا وقال مالك : إنه جائز ويحمل على العرف ، فلا يحتاج في التسمية إلى الخدمة وهو ظاهر قصة موسى ، فإنه ذكر إجارة مطلقة وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز حتى يسمى لأنه مجهول وقد ترجم البخاري : ( باب من استأجر أجيرا فبين له الأجل ولم يبين له العمل ) لقوله تعالى : على أن تأجرني ثماني حجج . قال المهلب : ليس كما ترجم ; لأن العمل عندهم كان معلوما من سقي وحرث ورعي وما شاكل أعمال البادية في مهنة أهلها ، فهذا متعارف وإن لم يبين له أشخاص الأعمال ولا مقاديرها ; مثل أن يقول له : إنك تحرث كذا من السنة ، وترعى كذا من السنة ، فهذا إنما هو على المعهود من خدمة البادية ، وإنما الذي لا يجوز عند الجميع أن تكون المدة مجهولة ، والعمل مجهولا غير معهود ، لا يجوز حتى يعلم . قال ابن العربي : وقد ذكر أهل التفسير أنه عين له رعية الغنم ، ولم يرو من طريق صحيحة ، ولكن قالوا : إن صالح مدين لم يكن له عمل إلا رعية الغنم ، فكان ما علم من حاله قائما مقام التعيين للخدمة فيه .
أجمع العلماء على أنه جائز أن يستأجر الراعي شهورا معلومة ، بأجرة معلومة ، لرعاية غنم معدودة ; فإن كانت معدودة معينة ، ففيها تفصيل لعلمائنا ; قال ابن القاسم : لا يجوز حتى يشترط الخلف إن ماتت ، وهي رواية ضعيفة جدا ; وقد استأجر صالح مدين موسى على غنمه ، وقد رآها ولم يشترط خلفا ; وإن كانت مطلقة غير مسماة ولا معينة جازت عند علمائنا . وقال أبو حنيفة والشافعي : لا تجوز لجهالتها ; وعول علماؤنا على العرف حسبما ذكرناه آنفا ; وأنه يعطى بقدر ما تحتمل قوته وزاد بعض علمائنا أنه لا يجوز حتى يعلم المستأجر قدر قوته ، وهو صحيح فإن صالح مدين علم قدر قوة موسى برفع الحجر .
قال مالك : وليس على الراعي ضمان وهو مصدق فيما هلك أو سرق ، لأنه أمين كالوكيل وقد ترجم البخاري : ( باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت أو شيئا يفسد فأصلح ما يخاف الفساد ) وساق حديث كعب بن مالك عن أبيه أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع ، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها به ، فقال لهم : لا تأكلوا حتى أسأل النبي - أو أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يسأله - وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم - أو أرسل إليه - فأمره بأكلها ; قال عبد الله : فيعجبني أنها أمة وأنها ذبحت قال المهلب : فيه من الفقه تصديق الراعي والوكيل فيما ائتمنا عليه حتى يظهر عليهما دليل الخيانة والكذب ; وهذا قول مالك وجماعة وقال ابن القاسم : إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن ويصدق إذا جاء بها مذبوحة . وقال غيره : يضمن حتى يبين ما قال .
واختلف ابن القاسم وأشهب إذا أنزى الراعي على إناث الماشية بغير إذن أربابها فهلكت ; فقال ابن القاسم : لا ضمان عليه ; لأن الإنزاء من إصلاح المال ونمائه وقال أشهب : عليه الضمان ; وقول ابن القاسم أشبه بدليل حديث كعب ، وأنه لا ضمان عليه فيما تلف عليه باجتهاده ، إن كان من أهل الصلاح ، وممن يعلم إشفاقه على المال ; وأما إن كان من أهل الفسوق والفساد وأراد صاحب المال أن يضمنه فعل ; لأنه لا يصدق أنه رأى بالشاة موتا لما عرف من فسقه .
لم ينقل ما كانت أجرة موسى عليه السلام ; ولكن روى يحيى بن سلام أن صالح مدين جعل لموسى كل سخلة توضع خلاف لون أمها ، فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك بينهن يلدن خلاف شبههن كلهن وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء تولد له ، فولدن له كلهن بلقا . وذكر القشيري أن شعيبا لما استأجر موسى قال له : ادخل بيت كذا وخذ عصا من العصي التي في البيت ، فأخرج موسى عصا ، وكان أخرجها آدم من الجنة ، وتوارثها الأنبياء حتى صارت إلى شعيب ، فأمره شعيب أن يلقيها في البيت ويأخذ عصا أخرى ، فدخل وأخرج تلك العصا ; وكذلك سبع مرات كل ذلك لا تقع بيده غير تلك ، فعلم شعيب أن له شأنا ; فلما أصبح قال له : سق الأغنام إلى مفرق الطريق ، فخذ عن يمينك وليس بها عشب كثير ، ولا تأخذ عن يسارك فإن بها عشبا كثيرا وتنينا كبيرا لا يقبل المواشي ، فساق المواشي إلى مفرق الطريق ، فأخذت نحو اليسار ولم يقدر على ضبطها ، فنام موسى وخرج التنين ، فقامت العصا وصارت شعبتاها حديدا وحاربت التنين حتى قتلته ، وعادت إلى موسى عليه السلام ، فلما انتبه موسى رأى العصا مخضوبة بالدم ، والتنين مقتولا ; فعاد إلى شعيب عشاء ، وكان شعيب ضريرا فمس الأغنام ، فإذا أثر الخصب باد عليها ، فسأله عن القصة فأخبره بها ، ففرح شعيب وقال : كل ما تلد هذه المواشي هذه السنة قالب لون - أي ذات لونين - فهو لك ; فجاءت جميع السخال تلك السنة ذات لونين ، فعلم شعيب أن لموسى عند الله مكانة . وروى عيينة بن حصن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أجر موسى نفسه بشبع بطنه وعفة فرجه فقال له شعيب لك منها - يعني من نتاج غنمه - ما جاءت به قالب لون ليس فيها عزوز ولا فشوش ولا كموش ولا ضبوب ولا ثعول قال الهروي : العزوز البكيئة ; مأخوذ من العزاز وهي الأرض الصلبة ، وقد تعززت الشاة . والفشوش التي ينفش لبنها من غير حلب وذلك لسعة الإحليل ، ومثله الفتوح والثرور ، ومن أمثالهم : لأفشنك فش الوطب . أي لأخرجن غضبك وكبرك من رأسك . ويقال : فش السقاء : إذا أخرج منه الريح . ومنه الحديث : إن الشيطان يفش بين إليتي أحدكم حتى يخيل إليه أنه أحدث أي ينفخ نفخا ضعيفا . والكموش : الصغيرة الضرع ، وهي الكميشة أيضا ; سميت بذلك لانكماش ضرعها وهو تقلصه ; ومنه يقال : رجل كميش الإزار . والكشود مثل الكموش . والضبوب الضيقة ثقب الإحليل ، والضب : الحلب بشدة العصر . والثعول الشاة التي لها زيادة حلمة وهي الثعل والثعل زيادة السن ، وتلك الزيادة هي الراءول ورجل أثعل ، والثعل ضيق مخرج اللبن . قال الهروي : وتفسير قالب لون في الحديث أنها جاءت على غير ألوان أمهاتها .
الإجارة بالعوض المجهول لا تجوز ; فإن ولادة الغنم غير معلومة ، وإن من البلاد الخصبة ما يعلم ولاد الغنم فيها قطعا وعدتها وسلامة سخالها كديار مصر وغيرها ، بيد أن ذلك لا يجوز في شرعنا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر ، ونهى عن المضامين والملاقيح .
والمضامين في بطون الإناث ، والملاقيح ما في أصلاب الفحول وعلى خلاف ذلك قال الشاعر :
ملقوحة في بطن ناب حامل
وقد مضى في سورة ( الحجر ) بيانه على أن راشد بن معمر أجاز الإجارة على الغنم بالثلث والربع . وقال ابن سيرين وعطاء : ينسج الثوب بنصيب منه ; وبه قال أحمد .
الكفاءة في النكاح معتبرة ; واختلف العلماء هل في الدين والمال والحسب ، أو في بعض ذلك ، والصحيح جواز نكاح الموالي للعربيات والقرشيات ; لقوله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريبا طريدا خائفا وحيدا جائعا عريانا ، فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله ، وأعرض عما سوى ذلك وقد تقدمت هذه المسألة مستوعبة والحمد لله .
قال بعضهم : هذا الذي جرى من شعيب لم يكن ذكرا لصداق المرأة ، وإنما كان اشتراطا لنفسه على ما يفعله الأعراب ; فإنها تشترط صداق بناتها ، وتقول لي كذا في خاصة نفسي ، وتترك المهر مفوضا ; ونكاح التفويض جائز . قال ابن العربي : هذا الذي تفعله الأعراب هو حلوان وزيادة على المهر ، وهو حرام لا يليق بالأنبياء ; فأما إذا اشترط الولي شيئا لنفسه ، فقد اختلف العلماء فيما يخرجه الزوج من يده ولا يدخل في يد المرأة على قولين : أحدهما : أنه جائز . والآخر : لا يجوز . والذي يصح عندي التقسيم ; فإن المرأة لا تخلو أن تكون بكرا أو ثيبا ; فإن كانت ثيبا جاز ; لأن نكاحها بيدها ، وإنما يكون للولي مباشرة العقد ، ولا يمتنع أخذ العوض عليه كما يأخذه الوكيل على عقد البيع ، وإن كانت بكرا كان العقد بيده ، وكأنه عوض في النكاح لغير الزوج وذلك باطل ; فإن وقع فسخ قبل البناء ، وثبت بعده على مشهور الرواية . والحمد لله .
لما ذكر الشرط وأعقبه بالطوع في العشر خرج كل واحد منهما على حكمه ، ولم يلحق الآخر بالأول ، ولا اشترك الفرض والطوع ; ولذلك يكتب في العقود الشروط المتفق عليها ، ثم يقال وتطوع بكذا ، فيجري الشرط على سبيله ، والطوع على حكمه ، وانفصل الواجب من التطوع وقيل : ولفظ شعيب حسن في لفظ العقود في النكاح : أنكحه إياها أولى من : أنكحها إياه على ما يأتي بيانه في ( الأحزاب ) وجعل شعيب الثمانية الأعوام شرطا ، ووكل العاشرة إلى المروءة .