تفسير القرطبي - Al-Qortoby   سورة  المائدة الأية 29


سورة Sura   المائدة   Al-Maaida
قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) ۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)
الصفحة Page 112
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)

قوله تعالى : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك قيل : معناه معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه وكان هابيل أراد أني لست بحريص على قتلك ; فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي ، وقيل : المعنى بإثمي الذي يختص بي فيما فرطت ; أي : يؤخذ من سيئاتي فتطرح عليك بسبب ظلمك لي ، وتبوء بإثمك في قتلك ; وهذا يعضده قوله عليه الصلاة والسلام : يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه . أخرجه مسلم بمعناه ، وقد تقدم ، ويعضده قوله تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وهذا بين لا إشكال فيه ، وقيل : المعنى إني أريد ألا تبوء بإثمي وإثمك كما قال تعالى : وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم أي : لئلا تميد بكم . وقوله تعالى : يبين الله لكم أن تضلوا أي : لئلا تضلوا فحذف " لا " .

قلت : وهذا ضعيف ; لقوله عليه السلام : لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل ، فثبت بهذا أن إثم القتل حاصل ; ولهذا قال أكثر العلماء : إن المعنى ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي عملته قبل قتلي . قال الثعلبي : هذا قول عامة أكثر المفسرين ، وقيل : هو استفهام ، أي : أو إني أريد ؟ على جهة الإنكار ; كقوله تعالى : وتلك نعمة أي : أو تلك نعمة ؟ وهذا لأن إرادة القتل معصية . حكاه القشيري وسئل أبو الحسن بن كيسان : كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار ؟ فقال : إنما وقعت الإرادة بعدما بسط يده إليه بالقتل ; والمعنى : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لأمتنعن من ذلك مريدا للثواب ; فقيل له : فكيف قال : بإثمي وإثمك ; وأي إثم له إذا قتل ؟ فقال : فيه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل قربانك ، ويروى هذا القول عن مجاهد .

والوجه الآخر : أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي ; لأنه قد يأثم بالاعتداء وإن لم يقتل .

والوجه الثالث : أنه لو بسط يده إليه أثم ; فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإثمه يرجع على صاحبه . فصار هذا مثل قولك : المال بينه وبين زيد ; أي المال بينهما ، فالمعنى أن تبوء بإثمنا ، وأصل " باء " رجع إلى المباءة ، وهي المنزل . وباءوا بغضب من الله أي : رجعوا ، وقد مضى في " البقرة " مستوفى ، وقال الشاعر :

ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي محارمنا لا يبوء الدم بالدم

أي : لا يرجع الدم بالدم في القود .

فتكون من أصحاب النار دليل على أنهم كانوا في ذلك الوقت مكلفين قد لحقهم الوعد والوعيد ، وقد استدل بقول هابيل لأخيه قابيل : فتكون من أصحاب النار على أنه كان كافرا ; لأن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن ، وهذا مردود هنا بما ذكرناه عن أهل العلم في تأويل الآية ، ومعنى من أصحاب النار مدة كونك فيها ، والله أعلم .

 


اتصل بنا | الملكية الفكرية DCMA | سياسة الخصوصية | Privacy Policy | قيوم المستخدم

آيــــات - القرآن الكريم


© 2022