ولكن هذه النصيحة الحكيمة الغالية من إبراهيم لأبيه. لم تصادف أذنا واعية ولم تحظ من أبيه بالقبول بل قوبلت بالاستنكار والتهديد فقد قال الأب الكافر لابنه المؤمن: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا.
والاستفهام في قوله أَراغِبٌ للإنكار والتهديد والرغبة عن الشيء: تركه عمدا زهدا فيه لعدم الحاجة إليه.
ولفظ راغِبٌ مبتدأ، وأَنْتَ فاعل سد مسد الخبر، ومَلِيًّا أى: زمنا طويلا. مأخوذ من الملاوة، وهي الفترة الطويلة من الزمان، ويقال لليل والنهار: الملوان.
والمعنى: قال والد إبراهيم له على سبيل التهديد والوعيد، أتارك أنت يا إبراهيم عبادة آلهتي، وكاره لتقرب الناس إليها، ومنفرهم منها لئن لم تنته عن هذا المسلك، لَأَرْجُمَنَّكَ بالحجارة وبالكلام القبيح وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا بأن تغرب عن وجهى زمنا طويلا لا أحب أن أراك فيه.
وهكذا قابل الأب الكافر أدب ابنه المؤمن، بالفظاظة والغلظة والتهديد والعناد والجهالة..
شأن القلب الذي أفسده الكفر.