ثم يعقب القرآن الكريم على تصرفاتهم القبيحة بإثبات نفاقهم، وبالتعجيب من ترددهم وريبهم، وباستنكار ما هم عليه من خلق ذميم فيقول: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَمِ ارْتابُوا، أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ..؟!
وقوله: يَحِيفَ من الحيف، وهو الميل إلى أحد الجانبين، يقال: حاف فلان في قضائه، إذا جار وظلم.
أى: ما بال هؤلاء المنافقين يعرضون عن أحكام الإسلام ولا يقبلون على حكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلا إذا كانت لهم حقوق عند غيرهم أسبب ذلك أنهم مرضى القلوب بالنفاق وضعف الإيمان؟ أم سبب ذلك أنهم يشكون في صدق نبوته صلّى الله عليه وسلّم؟ أم سببه أنهم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟
لا شك أن هذه الأسباب كلها قد امتلأت بها قلوبهم الفاسدة، وفضلا عن ذلك فهناك سبب أشد وأعظم، وهو حرصهم على الظلم ووضع الأمور في غير مواضعها، ولذا ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
أى: بل أولئك المنافقون هم الظالمون لأنفسهم ولغيرهم، حيث وضعوا الأمور في غير موضعها، وآثروا الغي على الرشد، والكفر على الإيمان.
قال الجمل: وقوله: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ.. إلخ استنكار واستقباح لإعراضهم المذكور، وبيان لمنشئه بعد استقصاء عدة من القبائح المحققة فيهم، والاستفهام للإنكار لكن النفي المستفاد به لا يتسلط على هذه الأمور الثلاثة، لأنها واقعة لهم، وقائمة بهم، والواقع لا ينفى، وإنما هو متسلط على منشئتها وسببيتها لإعراضهم.. .